رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

بعد المكالمة الأخيرة.. هل عادت المياه إلى مجاريها بين السيسي وترامب؟

المصير

الأحد, 2 فبراير, 2025

01:21 م

 

كتب :محمد أبوزيد 

عندما عاد دونالد ترامب إلى الساحة السياسية الأمريكية، عاد معه الجدل حول سياساته في الشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كانت العلاقة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وترامب خلال ولايته الأولى توصف بالودية، حيث اعتاد ترامب على الإشادة بالسيسي واعتباره "صديقًا رائعًا"، بينما كانت القاهرة تنظر إلى واشنطن كشريك استراتيجي لا غنى عنه. لكن هذه العلاقة تعرضت لاختبار حقيقي عندما عاد ترامب ليطرح قضية تهجير سكان غزة، وهو الأمر الذي رفضته مصر بشكل قاطع، مما أدى إلى توتر غير مسبوق في العلاقات بين الجانبين.

ومع ذلك، جاءت المكالمة الهاتفية الأخيرة بين السيسي وترامب لتطرح تساؤلات حول ما إذا كان الجليد قد بدأ يذوب بين الطرفين، وما إذا كانت هذه الخطوة تمثل تحوّلًا حقيقيًا في موقف ترامب من قضية تهجير الفلسطينيين، أم أنها مجرد محاولة لاحتواء الموقف دون تغيير جوهري في السياسات الأمريكية.

عودة للدفء أم تهدئة مؤقتة؟

أظهرت التقارير الإعلامية المصرية والأمريكية أن المكالمة بين السيسي وترامب حملت دلالات مهمة، حيث دعا السيسي ترامب إلى حضور افتتاح المتحف المصري الكبير، بينما وجّه ترامب دعوة للسيسي لزيارة واشنطن. لكن اللافت في البيانين الصادرين عن الرئاسة المصرية والبيت الأبيض أنهما تجنبا الإشارة إلى قضية تهجير الفلسطينيين، وهو ما اعتبره البعض مؤشرًا على تراجع ترامب عن خطابه السابق، أو على الأقل تأجيله مؤقتًا.

من ناحية أخرى، يرى مراقبون أن هذه المكالمة قد تكون محاولة من ترامب لإعادة ضبط علاقاته مع القاهرة بعد التوتر الذي تسبب فيه طرحه المتكرر لفكرة التهجير. فمصر، التي أعلنت موقفها بوضوح منذ البداية، لم تكتفِ بالرفض الدبلوماسي، بل سمحت لإعلامها بشن حملة قوية ضد تصريحات ترامب، ما جعل من المستحيل تمرير الفكرة دون تكلفة سياسية باهظة على العلاقات بين البلدين.

ترامب والتهجير: تراجع تكتيكي أم قناعة جديدة؟

من غير المرجح أن يكون ترامب قد تخلى تمامًا عن فكرة تهجير الفلسطينيين، خاصة وأن هذه السياسة تتماشى مع توجهات اليمين الإسرائيلي الذي يشكل جزءًا أساسيًا من قاعدته السياسية. لكن التجاهل الواضح لقضية التهجير في المكالمة الأخيرة يوحي بأن ترامب ربما أدرك أن مصر لن تقبل بهذا الطرح تحت أي ظرف، وأن الإصرار عليه قد يؤدي إلى أزمة دبلوماسية غير محسوبة العواقب.

كما أن ترامب، المعروف ببراغماتيته السياسية، يدرك أن مصر ليست مجرد طرف إقليمي، بل هي لاعب رئيسي في ملفات مثل التهدئة في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وتأمين الحدود مع إسرائيل. وبالتالي، فإن خسارة العلاقة مع القاهرة قد تكون ثمنًا باهظًا لدفع أجندة تهجير الفلسطينيين.

 

ورغم  أن المكالمة الأخيرة قد تعكس تهدئة مؤقتة، إلا أن التراجع الكامل عن سياسة التهجير لا يزال أمرًا غير محسوم. فمن ناحية، يتعرض ترامب لضغوط داخلية من اللوبيات المؤيدة لإسرائيل التي ترى في التهجير حلًا نهائيًا للصراع، ومن ناحية أخرى، فإن استمرار الرفض المصري، ومعه الأردني، يجعل من الصعب تنفيذ أي مخطط دون مواجهة إقليمية غير مسبوقة.

السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن ترامب قد يحاول إعادة صياغة خطابه بشأن التهجير، بحيث يصبح أقل صراحة وأكثر دبلوماسية، ربما من خلال تقديم مقترحات بديلة مثل "التوطين الطوعي"، أو "المساعدات الإنسانية خارج غزة"، لكن جوهر الفكرة سيبقى قائمًا.

العلاقة بين السيسي وترامب: هل تعود إلى سابق عهدها؟

ما بين الود والتوتر، مرت العلاقة بين السيسي وترامب بتقلبات حادة، ومن غير المرجح أن تعود إلى طبيعتها السابقة بسهولة. فمصر، رغم حاجتها للعلاقات الجيدة مع واشنطن، لن تتنازل عن مواقفها المبدئية في القضايا الإقليمية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

لكن في المقابل، يدرك ترامب أن مصر ليست مجرد حليف عابر، بل قوة إقليمية لها تأثير مباشر على التوازنات في الشرق الأوسط. ومن هنا، فإن المكالمة الأخيرة قد تكون بداية لإعادة ضبط العلاقات على أسس أكثر واقعية، حيث يحاول كل طرف الحفاظ على مصالحه دون تجاوز الخطوط الحمراء للطرف الآخر.

 

وفي  ظل المعادلة الإقليمية والدولية المعقدة، يبدو أن العلاقة بين السيسي وترامب ستظل تخضع لحسابات دقيقة، حيث تحاول القاهرة الحفاظ على شراكتها الاستراتيجية مع واشنطن دون تقديم تنازلات غير مقبولة، بينما يسعى ترامب للاستفادة من النفوذ المصري دون خسارة حلفائه في إسرائيل.

ويبقى السؤال الأهم: هل سيتراجع ترامب بالفعل عن تهجير الفلسطينيين، أم أنه فقط يؤجل المواجهة لحين إيجاد صيغة جديدة لتمرير الفكرة؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.