أثار ما ورد في اتصال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، بشأن استضافة جزء من أهالي غزة في الأردن ومصر، موجة من الجدل السياسي. ترامب أبدى نيته التحدث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي لإقناعه بقبول استضافة عدد من سكان قطاع غزة، مبررًا ذلك بالدمار الكبير الذي لحق بالقطاع بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي أعقبت عملية "طوفان الأقصى". إلا أن مصر رفضت هذا الطرح جملة وتفصيلًا، معتبرة أنه يمثل تصفية للقضية الفلسطينية ومحاولة لتهجير الفلسطينيين قسرًا من أراضيهم.
الرفض المصري: خلفيات وأسباب
رفض مصر لما طرحه ترامب يعكس موقفًا مبدئيًا ثابتًا تجاه القضية الفلسطينية، ويدعم حق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه. فيما يلي 5 أسباب رئيسية وراء هذا الرفض:
1. رفض التهجير القسري وتصعيد تصفية القضية الفلسطينية
مصر ترى في أي مخطط لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم محاولة لتصفية القضية الفلسطينية. تهجير سكان غزة إلى مصر أو الأردن يعني فعليًا إنهاء أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتحويل القضية الفلسطينية من قضية شعب يناضل من أجل تحرير أرضه إلى قضية إنسانية تتعلق بلاجئين موزعين في دول الجوار.
2. الحفاظ على الأمن القومي المصري
مصر تدرك جيدًا أن استضافة أعداد كبيرة من سكان غزة على أراضيها قد يشكل تهديدًا لأمنها القومي. فسيناء، التي اقترحتها بعض الأطراف كوجهة لتهجير الفلسطينيين، تُعد منطقة استراتيجية وحساسة أمنيًا، ولا يمكن المخاطرة بتحويلها إلى منطقة لتوطين اللاجئين، خاصة في ظل التحديات الأمنية التي واجهتها مصر في هذه المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
3. مخالفة للقانون الدولي
التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم يعد انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، الذي يؤكد حق الشعوب في البقاء على أراضيها. مصر، التي تدعم الحقوق الفلسطينية في المحافل الدولية، لا يمكن أن تقبل بأي خطوة تتناقض مع المبادئ التي تتبناها والتي تتعلق بحق تقرير المصير للفلسطينيين.
4. رفض الضغط الأمريكي وتحمل مسؤوليات الاحتلال
مصر ترى أن مقترحات ترامب تمثل محاولة لتحميلها عبء تداعيات الاحتلال الإسرائيلي وحروبه المتكررة على غزة. من المنطقي أن تتحمل إسرائيل، باعتبارها سلطة احتلال، مسؤولية إعادة إعمار القطاع وضمان حياة كريمة للفلسطينيين، بدلاً من نقل سكانه إلى دول الجوار. قبول مصر بهذا المخطط يعني إعفاء الاحتلال من مسؤولياته وشرعنة سياساته التوسعية.
5. التداعيات الإقليمية وتأجيج التوتر في المنطقة
أي عملية تهجير جماعي للفلسطينيين ستؤدي إلى تصاعد التوتر في المنطقة وزيادة الاحتقان بين الدول العربية وإسرائيل. مصر تدرك أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى انهيار الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق السلام، ما سيزيد من تعقيد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
الموقف الأردني: دعم عربي مشترك
مثلما رفضت مصر المخطط الأمريكي، أبدى الأردن موقفًا مشابهًا برفضه استضافة أي جزء من سكان غزة. الملك عبد الله الثاني أكد مرارًا أن القضية الفلسطينية يجب أن تُحل ضمن إطار حل الدولتين، وأن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم تمثل تعديًا خطيرًا على حقوقهم الوطنية.
مصر والقضية الفلسطينية: موقف ثابت
رفض مصر لصفقة ترامب ليس موقفًا جديدًا، بل هو امتداد لسياسة مصرية طويلة الأمد تقوم على دعم الحقوق الفلسطينية. مصر لعبت دورًا كبيرًا في تهدئة الأوضاع في غزة، وإعادة إعمار القطاع، واستضافت جولات من المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية لتحقيق الوحدة الوطنية.
يثبت رفض مصر لصفقة ترامب أن القاهرة لا تزال تُشكل سدًا منيعًا أمام أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، وتؤكد التزامها بدعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. هذا الرفض يعكس عمق الإدراك المصري للمخاطر الاستراتيجية والسياسية المرتبطة بمثل هذه المخططات، ويُظهر استمرار مصر في تبني موقف عربي موحد يرفض أي حلول تفرض على حساب الشعب الفلسطيني.