تمر الأيام والشهور والسنين، ونجلس في بداية كل عام، ندرس ونحلل الأحداث في العام الذي مضى، ونحاول أن نحلل ونقرأ أيضا ماذا سيحدث في العام المقبل حيث يكون التحليل أشق لأننا ندرس، بل ندقق في الأرقام. والأحداث، لكي نقرأ ما يدور بين السطور في أذهان الجميع في العام القادم 2025، وسوف أبدأ اليوم مع بداية العام الجديد أن ادرس واحلل ما هو المنتظر، وما هي الأحداث وما هي التحركات والسياسات والتغيرات في التركيبة الدولية التي ستبرز في العام الجديد؟
في البداية نقول أن العالم الآن لديه ثلاث مناطق ملتهبة، الأولى، منطقة الشرق الأوسط حيث فلسطين وإسرائيل ولبنان وسوريا والعراق وإيران. واليمن، وأخيرا تركيا. والمنطقة الثانية، وسط أوروبا، وهي الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، حيث دخلت فيها أعمال القتال والحرب والعالم كله يخسر، ليس فقط روسيا وأوكرانيا، لأنني أقول دائما إنني نعيش في عالم الأواني المستطرقة، حيث ما يحدث الآن في أي مكان يؤثر على باقي الأماكن والأنظمة والدول الأخرى.
وأقول دائما أنه مثلا من كان يتخيل أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا يمكن أن تؤثر على دولة كبيرة مثل مصر، في افريقيا وبعيدة كل البعد عن وسط أوروبا ولكن هذا ما حدث بالفعل، حيث تأثرت مصر بأسعار القمح (الرغيف العيش)، والذرة، (علف للحيوانات والطيور)، وأخيرا الزيوت.
والمنطقة الثالثة في العالم، هي في أقصى شرق الكرة الأرضية بين الصين وتايوان، والتي فيها النار تحت الرماد، ويمكن أن تشتعل في أي وقت، لكني أثق في سياسة الصين التي تحاول أن تحتوي أي توتر في المنطقة يمكن أن يتصاعد إلى درجة القتال. لأنها تعلم تماما أن الدخول في أي حرب سوف يوقف نموها الاقتصادي، نعلم تماما إنها تسير بسرعة الصاروخ في تنمية اقتصادها الذي هو الثاني عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية فإذا استمرت الصين بهذا المعدل من النمو دون أن تدخل في أي حروب وأعمال قتالية، فإنها سوف تسبق الولايات المتحدة، وتصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم اعتبارا من عام 2030.
وعندما نبدأ في دراسة. ما يحدث في المنطقة حولنا، نجد أن مصر تشهد حاليا تهديدات في الأربع اتجاهات الاستراتيجية في وقت واحد، بعد أن كانت في الماضي مهددة من الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي فقط، أو ما كان يطلق عليه بوابة مصر الشرقية أو الاتجاه السيناوي من ناحية سيناء التي كانت بوابة جميع الغزوات لى مصر عبر التاريخ بداً من الهكسوس مرورا بالاسكندر والصليبين والعثمانيين وحتى إسرائيل في حرب 1956 وبعدها 1976 ثم بعدها الإرهاب.
أما في اليمن، فإنه بعد استيلاء الحوثيين على مقاليد الحكم هناك أعلن الحوثيين أنهم يرفعون شعار وحدة الصحاف، أي أنهم متعاطفين تماما مع حماس في غزة، لذلك بدأت حربهم ضد إسرائيل بالتعرض للسفن الإسرائيلية بل وضد أراضي إسرائيل نفسها بإطلاق الصواريخ الباليستية والمسيرات ضد الأهداف الحيوية في إسرائيل، وتطور الأمر الى مهاجمة سفن الدول المؤيدة لإسرائيل، ويقصد بها الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا لذلك تأثرت الملاحة تماما في مضيق باب المندب وبالتالي قناة السويس التي فقدت من داخلها حوالي ستة مليار دولار في ستة أشهر وبالطبع أسر ذلك الاقتصادي في مصر وهكذا أصبح تدخل الحوثيين في ضد إسرائيل يؤثر في الاقتصاد المصري.
أما الاتجاه الإستراتيجي الشمالي الغربي نحو ليبيا، نجد أنه بعد رحيل القذافي، تأزم الموقف هناك، وأصبح ذلك الاتجاه الليبي يهدد الأمن القومي المصري. خاصة بعد وصول المرتزقة من شمال سوريا ووجود القوات التركية داخل غرب ليبيا واصبح هناك وزارة في شرق ليبيا ووزارة في غرب ليبيا، أما الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي (السودان)، والتي أصبحت الآن تهدد الأمن القومي بما يحدث على أرضها خاصة انها عمق استراتيجي لمصر في حوض نهر النيل، وهنا نجد أن التهديدات كثيرة خاصة ان السودان الان يشهد اكبر مجاعة في افريقيا.
وفي المنطقة المحيطة حاليا نجد أن شعب الفلسطيني يتعرض الآن لأقصى عمليات البطش والقتل والتعذيب وليس التعذيب البدني بقدر ما جاء من تدمير البنية التحتية، وقطع عنهم المياه والكهرباء، والمستشفيات والطرق، حيث أن البنية التحتية تهدمت في غزة بنسبة 80%، أما المباني تهدمت بنسبة 70%، وأصبح الشعب الفلسطيني بلا مأوى. وفي سوريا الحبيبة فقد فقدت جيشها اعز ما تملك بعد هروب بشار الأسد إلى سوريا، واستولى أبو محمد الجولاني الإخواني الهوية على دمشق وكل سوريا، ولكن قامت إسرائيل باستغلال الموقف المتردي سوريا، حيث قامت بتحقيق أغلى أمنية لها وهي تدمير القوات المسلحة السورية بالكامل، وخرج رئيس سوريا الجديد ليعلن أنه ليس بينه وبين إسرائيل أي خصومة، بعد أن نجحت أمريكا في تغير شكله من جديد لإقناع العالم الغربي أن جبهة النصرة لم تعد إرهابية.
وفي جنوب لبنان نجحت الدول الغربية في أن تقيم اتفاق وقف إطلاق نار، وهو اتفاق هش على أن ينسحب حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني، ولكن ما زالت إسرائيل كل يوم تضرب بشدة مخترقة هذا الاتفاق. وتدمر باقي قوات حزب الله، ومازالت لبنان تعاني من سنين بدون حكومة وبدون رئيس وزراء، وبدون رئيس للبلاد وأصبحت تركيا الآن تتحكم في أمور المنطقة. والكل ينتظر وصول الرئيس ترامب في البلاد إلى البيت الأبيض يوم 20 يناير ليقدم السلام في المنطقة كما وعد من قبل خلال حملته الانتخابية.
وعلى الطرف الآخر، الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت عامها الثالث، وليس لها هناك أي نهاية، وأي أمل خاصة بعد أن دخلت أوكرانيا واحتلت جزء من الأراضي الروسية في منطقة كورسك وبدأ الجميع أيضا ينتظر وصول الرئيس ترامب لكي يحقق السلام بين الدولتين، وينهي الحرب كما أعلنها في حملته الانتخابية، وهكذا فإن الجبهات المشتعلة كلها تنتظر ماذا سيفعل الرئيس ترامب، عموما سوف أحاول في مقالتي في الأسابيع القادمة، أن أتناول هذه المناطق الساخنة في العالم، ونعرف بالتفصيل أبعاد كل منطقة، والمشاكل والتهديدات التي تحيط بها وما هو المنتظر لها خلال عام 2025. الذي ينتظره الجميع حيث أن الأمل في تحقيق السلام ومن بعده الرخاء وهذا ما سنعرضه في الأيام أعداد القادمة الموقف في الشرق الأوسط ثم الحرب الروسية الأوكرانية.