تشهد الساحة السورية تطورات دراماتيكية تلقي بظلالها على مصير الرئيس السوري بشار الأسد، وسط تساؤلات ملحّة حول مكان وجوده ومستقبله السياسي. تأتي هذه التساؤلات بعد سيطرة المعارضة المسلحة على مدن استراتيجية مثل حلب، حماة، وحمص، وتزامناً مع سحب إيران لقياداتها العسكرية من سوريا، في وقت التزمت فيه روسيا، الداعم الرئيسي للأسد، الصمت المطبق.ودعت رعاياها لمغادرة سوريا
تطورات ميدانية مقلقة
خلال الساعات والأيام الماضية ، شهدت الساحة السورية اختلالاً كبيراً في موازين القوى.
سيطرة المعارضة المسلحة على حلب وحماة و اقتربت من السيطرة على حمص.
شكلت هذه التحركات ضربة قاسية للنظام السوري، إذ تعد هذه المدن رموزاً استراتيجية في خريطة السيطرة العسكرية.
ورغم هذه الخسائر الفادحة، غابت أي مؤشرات على تحرك روسي أو إيراني لإنقاذ الأسد، ما أثار الشكوك حول مصيره.
غياب الدعم الإيراني والروسي: مؤشر على التحول؟
إيران، التي كانت تقدم الدعم العسكري الحاسم للنظام السوري منذ عام 2011، قامت مؤخراً بسحب عدد كبير من قياداتها العسكرية من سوريا. في الوقت نفسه، لم تُسجَّل أي خطوات فعلية من جانب روسيا لدعم النظام، رغم أنها تُعد الحليف الأبرز للأسد.
تزامن ذلك مع تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أشار فيها إلى أن "مصير بشار الأسد غير معروف"، مما زاد من الغموض حول مستقبل الرئيس السوري. ورغم تأكيد عراقجي على استمرار دور "المقاومة"، إلا أن حديثه عن السيناريوهات الكارثية المحتملة في سوريا، مثل الحرب الأهلية الشاملة أو تقسيم البلاد، أثار المخاوف حول انسحاب إيران من المشهد السوري.
تصريحات عراقجي: رسالة مبطنة؟
خلال مقابلة تلفزيونية مساء الجمعة، صرح عراقجي أن التنبؤ بمستقبل الأسد محفوف بالمخاطر بسبب تغير الأوضاع بسرعة، محذراً من أن سوريا قد تواجه سيناريوهات خطيرة مثل سيطرة الجماعات الإرهابية أو التقسيم. ورغم أنه أكد دعم وحدة الأراضي السورية، فإن تصريحاته توحي بأن إيران قد تعيد ترتيب أولوياتها في المنطقة، خصوصاً في ظل تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية عليها.
مغادرة الأسد أم انقلاب عسكري؟
في ظل هذا الغموض، تُطرح عدة سيناريوهات حول مصير الأسد:
1. مغادرة البلاد:
تشير بعض التقارير إلى أن الأسد ربما غادر سوريا بالفعل، تحت ضغط داخلي وخارجي متزايد، خصوصاً بعد انحسار سيطرته على المدن الكبرى وضعف الدعم من حلفائه التقليديين.
2. انقلاب عسكري:
احتمال حدوث انقلاب داخل النظام السوري لا يمكن استبعاده. في ظل الأوضاع المتدهورة وفقدان النظام للسيطرة على أراضٍ واسعة، قد تسعى أطراف داخل الجيش السوري أو الأجهزة الأمنية للإطاحة بالأسد حفاظاً على مصالحها.
3. إعادة ترتيب الأوضاع بتدخل خارجي:
غياب أي تحرك روسي لإنقاذ النظام قد يُفسَّر كإشارة إلى أن موسكو تبحث عن بدائل للأسد. وربما يكون هناك توافق دولي وإقليمي على ترتيب جديد يضمن مصالح الأطراف الكبرى دون الاعتماد على الأسد.
مواقف دولية وإقليمية متباينة
في إطار هذه التحولات، عقد وزير الخارجية الإيراني اجتماعاً في بغداد مع نظرائه العراقيين والسوريين لمناقشة الأوضاع في سوريا. ورغم تأكيده على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا، فإن الاجتماع لم يخرج بأي خطوات عملية لدعم النظام، مما يعزز التكهنات حول تخلي إيران عن الأسد كخيار استراتيجي.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل سوريا
إذا ثبت أن الأسد غادر سوريا أو أُطيح به، فإن سوريا قد تواجه سيناريوهات معقدة:
1. حرب أهلية شاملة:
قد يؤدي غياب الأسد إلى انهيار النظام واندلاع صراعات داخلية بين الفصائل المسلحة، ما يفاقم الأزمة الإنسانية والسياسية في البلاد.
2. تقسيم البلاد:
في ظل الفوضى، قد تتحول سوريا إلى كيانات مستقلة على أسس طائفية أو إثنية، مما يهدد وحدة البلاد وسيادتها.
3. سيطرة الجماعات المسلحة:
استمرار تراجع النظام قد يُفسح المجال أمام الجماعات الإرهابية للسيطرة على المزيد من الأراضي، مما يشكل تهديداً خطيراً للأمن الإقليمي والدولي.
مصير بشار الأسد أصبح محوراً للغموض والتكهنات، وسط غياب أي موقف حاسم من حلفائه التقليديين. سحب إيران لقواتها من سوريا، وتصريحات عراقجي حول "المقاومة" ومستقبل الأسد، تشير إلى تغير محتمل في استراتيجية طهران. في المقابل، يبدو أن روسيا تراقب الوضع دون التدخل المباشر، مما يثير تساؤلات حول الدور الذي ستلعبه مستقبلاً.
يبقى مستقبل سوريا مفتوحاً على كل الاحتمالات، في ظل صراع إقليمي ودولي مستمر على النفوذ في البلاد. والأيام المقبلة قد تكشف عن تغييرات جذرية في المشهد السوري، سواء ببقاء الأسد في السلطة أو غيابه بشكل مفاجئ.