غلاف أنسنة الذكاء الاصطناعي
ينطلق المفكر الإعلامي الدكتور محمد شومان عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في كتابه أنسنة الذكاء الاصطناعي: الأخلاقيات والقوانين" الصادر عن بيت الحكمة، من حقيقة أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا طبيعيًا من حياة الناس، ووسيلة أساسية من وسائل الحياة لا غنى للبشر عنها خلال القرن الحادي والعشرين، لكنه يثير اشكالية وجود تفاوت هائل وفجوات كبيرة بين انتشاره واستخداماته عبر دول العالم، حيث لا يزال حضوره وتأثيره محدودا في أغلب دول الجنوب، التي تفتقر إلى البينة التحتية اللازمة لتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي من كهرباء واتصالات وانترنت، إضافة إلى نقص التمويل والكوادر والخبرات البشرية الوطنية وانتشار أمية الذكاء الاصطناعي.
ويتابع شومان عرض وتحليل أهم ايجابيات واشكاليات استخدامات الذكاء الاصطناعي في عالم منقسم وسريع التغيير، فيناقش في الفصل الأول اشكاليات وتحديات الذكاء الاصطناعي واهمها، اشكالية حقوق الملكية للمحتوي الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي من خلال تطبيقات المحادثة، فهذا المحتوي لمؤلفين ومبدعين سبق لهم نشره، وبالتالي من يدفع لهم حقوقهم المادية. ثم يناقش اشكالية تشكل رأسمالية رقمية تتخصص بعض اجنحتها في الذكاء الاصطناعي.
وينتقل شومان في كتابة الرائد إلى اشكالية المراقبة الجماعية البيومترية ومخاطرها ويكشف عن ان اسرائيل استخدمتها في الحرب علي غزة ولبنان.
ويناقش اشكاليات استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة، وهل سيلغي دور الصحفي في المستقبل القريب، خاصة مع تطور الذكاء الاصطناعي واستخدام الحواسيب الكمومية. وكيف ستعظم هذه الحواسيب من عمليات تخصيص المحتوي وغرف الصدى، ثم يطرح د. شومان اشكالية خطيرة ترتبط باحتمالات قرصنة تطبيقات الذكاء الاصطناعي واستخدامها لارتكاب جرائم وعمليات ارهابية عبر العالم.
ويستكمل د. شومان علاج اثار وتداعيات استخدام الحواسيب الكمومية – اسرع مليون مرة في المتوسط من الحواسيب العادية – في الفصل الثاني، وكيف ستثير اشكاليات خاصة في البيئات الافتراضية والواقع المعزز والتجارب الغامرة. ويختص الفصل الثالث بمناقشة استخدامات الذكاء الاصطناعي وعلاقتها بما يعرف بعصر ما بعد الحقيقة.
هكذا تسير فصول الكتاب الست في ترابط منطقي وصولا إلى مناقشة أهمية تنظيم الذكاء الاصطناعي من خلال مواثيق شرف ومدونات مهنية وتشريعات، ويري د. شومان ان التنظيم الذاتي للشركات والمطورين العاملين اثبت فشله في تنظيم المشهد الفوضوي لقفزات الذكاء الاصطناعي، وبالتالي لا بديل عن المواثيق والمبادئ الأخلاقية، أو القوانين، لكن يجب ان تتسم بالمرونة ومتابعة التطورات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وكذلك من الضروري وضع ضوابط واليات للمتابعة تطبيق المواثيق والتشريعات واهمها حتى الان القانون الأوروبي الموحد لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، الذي يناقشه المؤلف د. شومان في فصل مستقل.
كما ناقش شومان في فصل مستقل قانون تنظيم الذكاء الاصطناعي الذي أصدره الاتحاد الأوروبي لتنظيم الذكاء الاصطناعي، وتكمن اهميته في أنه أول قانون ذا طابع دولي يتصدى لهذه المهمة الصعبة.
وقد أكد المؤلف على أهمية إصدار الأمم المتحدة مواثيق وقوانين دولية ملزمة، لكن تبقي اشكالية عدم توافق الدول على كيفية تطبيق هذه القوانين، خاصة في ظل التنافس الدولي ومظاهر التعددية القطبية والاستقطاب بين الدول الكبري.
وعلي الرغم من صعوبات تطبيق المواثيق الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، إلا أن عدالة وشرعية هذا المسعي لاتسقط، كما ان نبل مقاصدها يؤكد ضرورة الاستمرار في تحسينها بحيث تعكس كل ثقافات العالم، كذلك ضرورة العمل على تطبيقها من خلال الدعوة للتوصل إلى تعريفات اجرائية واضحة وقابلة للقياس لهذه المباديء السامية. واعتقد أنه لاغني عن المواثيق الأخلاقية، جنب إلى جنب مع إصدار تشريعات محلية ودولية مرنة تحاول ترويض جموح الذكاء الاصطناعي، وتعظيم فرص دول الجنوب في الاستفادة منها، حتى لا يعاد استغلالها من جديد، ومن خلال الذكاء الاصطناعي الاستعماري، في هذا السياق لابد من الاهتمام بتحليل ونقد هياكل رأسمالية الذكاء الاصطناعي، والتي لا تحترم حتى اليوم متطلبات التنمية المستدامة، وتعمل من دون ضوابط بيئية، من هنا يدعم الكتاب الذكاء الاصطناعي الاخضر.
ويدعم بقوة فكرة المشاركة في موارد وامكانيات الذكاء الاصطناعي والتي يقصد بها إعادة التفكير في أنظمة الملكية والحوكمة الجماعية وتمكين المزيد من الدول – خاصة دول الجنوب- والمجموعات داخل المجتمع من السيطرة على الذكاء الاصطناعي، وإبداء الرأي في تطويره وكيفية مشاركة فوائده لصالح البشرية، عوضا عن الاستسلام لعمالقة الذكاء الاصطناعي والسماح لهم بالانتصار والهيمنة وجني الارباح الطائلة.