رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

دنيا شرف تكتب :حينما اغتيلت التربية بين براثن التكنولوجيا

المصير

الخميس, 23 يناير, 2025

09:11 ص


في عصر يتسم بالتطور السريع والتغيير المستمر، أصبحت التكنولوجيا رفيقًا دائمًا لكل فرد من أفراد المجتمع، خصوصًا الأطفال والشباب. وعلى الرغم من الفوائد الجمة التي تقدمها هذه الأدوات، إلا أن أثرها السلبي على التربية والقيم الأسرية بات واضحًا بشكل متزايد.

لم تعد الأسرة، التي كانت في الماضي الحاضنة الأولى للتربية والقيم، قادرة على أداء دورها كما ينبغي. فالتكنولوجيا، بأشكالها المختلفة من هواتف ذكية وأجهزة لوحية وشبكات اجتماعية، أصبحت تستحوذ على وقت الأفراد وتفصلهم عن التواصل الحقيقي مع بعضهم البعض، حيث يفضل الأطفال والمراهقون قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات بدلاً من الحديث مع أهلهم أو المشاركة في الأنشطة الأسرية.

أدى هذا الاعتماد المفرط على التكنولوجيا إلى تآكل القيم الأسرية والاجتماعية التي نشأنا عليها. فاحترام الكبار، والالتزام بالأدب والأخلاق، والانخراط في الحوار الأسري، كلها مفاهيم بدأت تفقد معناها في ظل الانغماس في العالم الرقمي. باتت التربية التقليدية تواجه صعوبة كبيرة في غرس القيم والمبادئ في جيل لا يعرف سوى السرعة والاختصار والتفاعل الافتراضي.

وها نحن نتابع عن كثب الكارثة التي حدثت في إحدى المدارس الدولية، والتي من المفترض أنها تمثل الطبقة الراقية من المجتمع المصري. وأظن أننا بحاجة إلى إعادة تعريف معنى الطبقة الراقية، فقد كانت تُوصَف سابقًا بأنها تتضمن أصحاب الخلق الراقي والتربية الصالحة وأناسًا ذوي علم رفيع. أعتقد أن هذا أصبح يختلف كثيرًا عن الواقع الذي نعيشه، حيث إن السلبية واللامبالاة أصبحتا سيدة الموقف. أرى أن هذه الكارثة أقل بكثير من الواقع المؤلم الذي نعيشه في جميع الطبقات، دون استثناء.

لا أستطيع تصور هذا الكبت والغل الذي يملأ قلوب هؤلاء الأطفال والمراهقين، ومن أين أتوا به. أظنه نتيجة لكم العنف والرسائل الموجهة من الخارج بهدف إفساد الأجيال القادمة، مع غياب الأهل الذي لا أجد له مبررًا. فكما قلت، إن هؤلاء ينتمون إلى الطبقة الراقية التي تتميز برغد الحياة.

هذه الكارثة تمثل جانبًا من التحديات التي تواجه التربية في عصر التكنولوجيا، وتعكس أزمة أعمق في القيم والتوجهات المجتمعية، وهو ما يجعل الحاجة إلى إعادة النظر في أسس التربية ومفهومها أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

لا شك أن هذه الرسائل العنيفة التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة، والألعاب الإلكترونية التي تروج للعنف، تشكِّل عاملًا أساسيًا في تأجيج هذا الغضب والعدوانية بين الشباب. ومع غياب الأهل عن أداء دورهم التربوي الفعَّال، سواء بسبب انشغالهم بالحياة المترفة أو تحت ذريعة توفير الأفضل لأبنائهم، تزداد الأمور سوءًا.

فالانشغال بالعمل والسعي وراء الرفاهية جعل الأهل يغفلون عن حاجات أبنائهم النفسية والعاطفية، مما خلق فجوة كبيرة في العلاقة بين الأجيال. وبدلًا من أن يكونوا قدوة ومصدرًا للأمان والإرشاد، أصبحوا بعيدين، تاركين أبناءهم في مواجهة مباشرة مع التأثيرات الخارجية التي تحمل في طياتها الكثير من المخاطر.

هذا الغياب الواضح أدى إلى تفاقم المشكلات السلوكية، حيث بات الأطفال والمراهقون يبحثون عن بدائل تعوض هذا الفراغ العاطفي، وغالبًا ما يجدونها في مصادر سلبية تؤدي إلى تشويه قيمهم وأخلاقهم. وهكذا، أصبح المجتمع يعاني من جيل مضطرب، يعاني من قلة الانتماء وضعف الهوية، مما يجعل مهمة إصلاح هذه الأجيال أكثر صعوبة.

لا يمكننا أن ننكر أن التكنولوجيا جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ولكن يمكننا التحكم في استخدامها لتجنب آثارها السلبية على التربية. يمكن للأسر تبني سياسات داخلية صارمة لتنظيم وقت استخدام الأجهزة الإلكترونية، وتعزيز الأنشطة التفاعلية التي تتطلب حضورًا جسديًا وعاطفيًا. كما يجب على المدارس أن تلعب دورًا مكملًا في التربية من خلال دمج برامج تعليمية تركز على القيم والأخلاق.

إن اغتيال التربية بين براثن التكنولوجيا ليس حتميًا إذا ما اتخذنا خطوات واعية لحماية القيم الأسرية والتربوية من الانهيار. التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على جوهر التربية هو التحدي الأكبر الذي يجب أن نواجهه بحكمة ووعي