شهدت الساحة الفلسطينية والإسرائيلية تطورًا تاريخيًا بعد توقيع صفقة التهدئة بين حماس وإسرائيل يوم أمس، والتي تنهي حربًا استمرت أكثر من عام ونصف، وأدت إلى استشهاد أكثر من 50 ألف فلسطيني.
أحد أبرز ملفات الصفقة كان إصرار حماس على إدراج اسمين بارزين من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية للإفراج عنهما... أحدهما أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الأخطر هو مروان البرغوثي، القيادي البارز في حركة فتح. هذا الإصرار أثار جدلًا واسعًا، خاصة في ظل رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإفراج عنهما.
من هما أحمد سعدات ومروان البرغوثي؟
أحمد سعدات: الرمز الوطني للجبهة الشعبية
مكانته ودوره: يُعتبر أحمد سعدات قائدًا استثنائيًا في الساحة الفلسطينية، وهو الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي تعد واحدة من أبرز الفصائل الفلسطينية اليسارية. يشتهر سعدات بصلابته الفكرية وتاريخه النضالي الطويل.
ظروف اعتقاله: تم اعتقاله عام 2006 بعد حصار دام عدة أشهر في مقر المقاطعة برام الله، ثم تسليمه لإسرائيل من قبل السلطة الفلسطينية. وجهت له إسرائيل تهمًا بقيادة عمليات مقاومة، من بينها اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي عام 2001.
الأحكام الصادرة: حُكم عليه بالسجن المؤبد، ليصبح أحد أبرز رموز المقاومة الفلسطينية في السجون الإسرائيلية.
مروان البرغوثي: المهندس الاستراتيجي لانتفاضة الأقصى
مكانته ودوره: يُلقب بـ"مانديلا فلسطين"، وهو أحد أبرز قيادات حركة فتح وأكثر الشخصيات تأثيرًا في الشارع الفلسطيني. لعب البرغوثي دورًا محوريًا في التخطيط لانتفاضة الأقصى الثانية، وكان يعتبر الجسر الذي يربط بين مختلف الفصائل الفلسطينية.
ظروف اعتقاله: اعتقلته القوات الإسرائيلية عام 2002 في رام الله، ووجهت له اتهامات بالوقوف وراء عمليات مسلحة ضد أهداف إسرائيلية خلال الانتفاضة الثانية.
الأحكام الصادرة: صدر بحقه خمسة أحكام بالسجن المؤبد بتهم تتعلق بـ"الإرهاب"، حسب المزاعم الإسرائيلية.
لماذا أصرت حماس على إدراجهما؟
إصرار حماس على الإفراج عن البرغوثي وسعدات يُظهر استراتيجية ذات أبعاد متعددة:
1. الوحدة الوطنية: إدراج شخصيات من خارج حماس في الصفقة، خصوصًا قيادات من فتح والجبهة الشعبية، يرسل رسالة بأن المقاومة الفلسطينية شاملة ولا تقتصر على فصيل بعينه.
2. رمزية الشخصيتين: البرغوثي وسعدات يمثلان رموزًا نضالية في المجتمع الفلسطيني، وإطلاق سراحهما سيعتبر نصرًا معنويًا وسياسيًا كبيرًا يعزز مكانة حماس.
3. إعادة التوازن السياسي: الإفراج عن البرغوثي، على وجه الخصوص، قد يؤدي إلى تحولات سياسية كبيرة داخل فتح، حيث يعتبره كثيرون مرشحًا قويًا لقيادة الحركة مستقبلاً.
هل توافق إسرائيل على الإفراج عنهما؟
رفض نتنياهو القاطع للإفراج عن البرغوثي وسعدات يعكس قلقًا إسرائيليًا من تداعيات ذلك:
1. تأثير داخلي في إسرائيل: الإفراج عن شخصيات بحجم البرغوثي وسعدات قد يثير انتقادات حادة لحكومة نتنياهو من اليمين المتطرف، الذي يعتبرهما تهديدًا أمنيًا كبيرًا.
2. رمزية الإفراج: إسرائيل تدرك أن إطلاق سراحهما سيعتبر انتصارًا سياسيًا وأخلاقيًا لحماس، ما يعزز مكانتها داخليًا وخارجيًا.
3. المخاوف الأمنية: تعتبر إسرائيل البرغوثي وسعدات قيادات يمكن أن تلعب دورًا في تصعيد المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.
المكاسب السياسية لحماس
في حال نجاح حماس في فرض شروطها، سيكون لذلك تداعيات استراتيجية:
1. تعزيز شعبيتها: ستعزز حماس من مكانتها كقوة قائدة في المشهد الفلسطيني، خصوصًا بعد تمكنها من الإفراج عن رموز وطنية بارزة.
2. إضعاف السلطة الفلسطينية: قد يؤدي إطلاق سراح البرغوثي وسعدات إلى تقويض شرعية السلطة الفلسطينية، خاصة إذا ظهر البرغوثي كمرشح محتمل لقيادة فتح.
3. إعادة تعريف المقاومة: الإفراج عن قادة يمثلون توجهات سياسية مختلفة يثبت أن المقاومة ليست محصورة بفصيل واحد، مما يعزز الوحدة الوطنية.
صفقة التهدئة الموقعة بالأمس قد تكون نقطة تحول في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة إذا نجحت حماس في فرض شروطها المتعلقة بإطلاق سراح البرغوثي وسعدات. وبينما ترفض إسرائيل الإفراج عنهما حتى الآن، فإن تداعيات هذه الخطوة قد تكون بعيدة المدى، لتشكل معادلة جديدة في الصراع والمشهد السياسي الفلسطيني.