الحديث عن استحداث نظام جديد للثانوية العامة أعاد إلى الواجهة محنة التعليم في مصر. دعك من أن المصريين القدماء أسهموا في اختراع الكتابة؛ وسجلوا اللغة المصرية القديمة بالكتابة الهيروغليفية، وفي عهدهم أنشئت "بر عنخ" أو "بيت الحياة"، كأول مدرسة ومكتبة في تاريخ الإنسانية؛ فهذا تاريخ قد ولى وأدبر وانتهى، وهناك واقع جد مختلف، فتعالَ نستمع سويًا إلى أغنية: "يا هناه اللي يتعلم عندنا" بتوقيع حمزة نمرة؛ لنقف على الطفرة المدهشة التي يشهدها التعليم حاليًا على جميع المستويات!
"مين قال: العلام في بلادنا قديم/ لا ده إحنا تمام، آه والله العظيم"؛ فهكذا ترى وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، وربما تكون هي الوزارة الأبرز التي ليس لها من اسمها "الثلاثي" نصيب، حيث تولي الوزارة اهتمامًا جارفًا بالتربية قبل التعليم، كما تولي اهتمامًا واسعًا بالتعليم الفني لأهميته في صناعة المستقبل، أما التعليم العام فحدث ولا حرج، كما سوف نبين لاحقًا!
"سلاح التلميذ موجز ولذيذ/ نماذج إجابات ما فيهاش تحفيظ"؛ حيث حلت الكتب الخارجية بديلا لنظيرتها المدرسية والتي تحولت –بدورها- إلى "بزنس كبير"، يقتات من ورائه خلق كثير، سواء من "فوق الترابيزة" أو من "تحت الترابيزة".
"أبلة عطيات بتاعة الدراسات/ هتغيب أسبوع هيَّصوا يا ولاد"، فلم يعد التلاميذ في حاجة ضاغطة لمعلم المدرسة؛ بعدما استعاضوا عنه بالدروس الخصوصية، وأصبح حضور المدرسين إلى المدرسة شكليًا؛ لا هدف له سوف البحث عن عملاء واستقطاب زبائن جدد!
أزمة تناقص المعلمين وتكدّس الفصول قادت إلى ظهور مراكز الدروس الخصوصية، حتى تم رصد ما يزيد على 12 ألف مركز تعليمي خاص، تحقِّق نحو 20 مليار جنيه سنويًا، ليخرج التعليم الحكومي من إطار المجانية، وتفاقم ذلك مع إطلاق "المشروع القومي لبناء المدارس" في العام 2016، حيث تم بناء مدارس خاصة للغات، لا تستوعب أبناء الطبقات المهمَّشة، كما منحت الحكومة أراضي للمستثمرين لبناء مدارس خاصة، وهو ما دفع الطبقات الفقيرة إلى خارج التعليم وضاعف عمالة الأطفال، وهذا جهد مشكور من الحكومة، يجعلنا جميعًا نردد على قلب رجل واحد: "يا هنا يا هناه اللي يتعلم عندنا"!
Uniform" جنان، شغل ستاير/ والياقة ستان دايرن داير"؛ حيث يشكل الزي المدرسي، خاصة في المدارس الخاصة جزءًا آخر من بزنس التعليم في مصر، وتفتح من أجله خطوط الإنتاج والمتاجر، وتباع القطعة الواحدة بأكثر من ثلاثة أضعاف سعرها. ولا شك أن الشكل أهم كثيرًا من المضمون، وهو ما يتم ترجمته في تراجع مصر على مؤشر جودة التعليم الأساسي والعالي التابع لمؤشر التنافسية العالمية، الى المرتبة 134 من أصل 138 دولة، وهذا إنجاز -لو تعلمون- عظيم، يُحسب لوزاء التعليم المتعاقبين!
"أستاذ عصفور، ده الإمبراطور/ لو علمي علوم عديت for sure"؛ فهذا سمت إعلانات المدرسين على الحوائط الجدران وعبر الوسائط الإلكترونية؛ حيث الألقاب الفخمة ووالتوصيفات الضخمة، وكأنك في حضرة "تاجر خشب أو مواشي"، وليس رجلاً تربويًا رشيدًا.
"قالوا: في أوروبا العلام جامد أوي وفى السليم/ معلش بقى فى الكلام/ ده إحنا الجديد والقديم"؛ هذا حقيقي، ولو لم نكن "إحنا الجديد والقديم"، ما اهتمت الوزار بإعادة إحياء نظام البكالوريا من جديد، ولما صمت أذنيها عن رؤى أهل العلم والاختصاص والحقيقي، وتفاعلت مع منتحلي الدرجات العلمية من جامعات وهمية وكيانات خرافية وبصمت على مقترحاتهم!
" دا علينا فصول سيراميك بالطول/ والحمام إيه دايمًا مغسول"؛ وهذا شأن المدارس الحكومية جميعها، من شمال مصر إلى جنوبها، حيث الكثافة المحدودة، والأفنية الرحبة الواسعة التي تتسع لجميع الأنشطة، والحمامات الآدمية التي تتحدى حمامات الفنادق. دعك أيضًا من أن الدستور المصري ينص على أن التعليم مجاني وإلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها بحسب القانون، ولا تسأل لماذا لا تلتزم الحكومة للتعليم بإنفاق ما لا يقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، وتكتفي بأقل من نصف الحد الأدني؛ فليس لك من الأمر شيء.."إنت تتعلم وإنت ساكت..بلاش دوشة"!
"والكل أخوات فى الإمتحانات/ وسؤال بسؤال خد منى وهات"؛ ولعل لجان أولاد الأكابر في كل عام دليل دامغ على هذا الطرح الإيجابي الرائع، حيث يحصلون جميعًا على مجاميع متشابهة، ويدخلون سويًا كلية الطب، ويرسبون معًا في أول عام، راسمين بذلك تابلوهًا فنيًا لافتًا!
والناظر ياه بلسم يا ولاه/ راخر محبوب، لله في لله"؛ وهو في ذلك مضطر اضطرارًا، رافعًا شعار: "الأقربون أولى بالمعروف"، والغش في زمن الضلال أصبح معروفًا.."لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي"!
"رزقك موجود رغم الشهادات، وبإذن الله مندوب مبيعات"، وهذا أفضل من أن تعمل بتخصصك ودراستك التي أخلصت لها وأفنيت فيها زهرة عمرك، فتسعة أعشار الرزق والتجارة، وكونك مندوبًا للمبيعات يقربك إلى هذه الدرجة المرموقة؛ خاصة إذا لم تكن تملك واسطة تدفعك وتعينك إلى ما تصبو إليه، وقد تصبح سريعًا مديرًا للمبيعات، وإن لم تنس احلامك وتدهسها بقدميك، فلا تنس مصير عبد الحميد شتا..وقد أعذر مَن أنذر!
"والوضع جميل، أنا متفائل/ عندنا هتشوف مستوى هايل"، وهذا واقع لا ينكره سوى جاحد، في ظل الطفرات الهائلة التي يشها التعليم قبل الجامعي وبعد الجامعي..وكذلك في مشروع الكتاتيب المرتقب! "لو شفت زبون خطوته جايباه/ قلبه دليله، سيبه على عماه"؛ لأن من ذاق عرف، ومن ثم يجب عليه أن يخوض غمار التجربة إلى نهايتها، حتى يتأكد بنفسه أنه "يا هناه، يا هناه اللى يتعلم عندنا".