رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

سامح لاشين يكتب : احتكار السياسة في النظم السلطوية .. و" شبح الإخوان" المتخفي في الفراغ

المصير

الأربعاء, 8 يناير, 2025

06:09 م

يرى "ماكس فيبر" إن المرء إما أن يعيش من أجل السياسة ، وإما أن يعيش من السياسة ، فالذي يرى في السياسة مصدرا للدخل يعيش منها ، والذي يمارسها دعوة أو رسالة حتى لو كانت لأهداف شخصية ( نفسية واجتماعية)  يحيا من اجلها ، وفي مصر هي فعلا مصدر قوة تساعد على التكسب وتمرير المصالح وخاصة عندما تكون متحالفا مع من يحتكرها ، ولا يوجد سوى جهة واحدة تحتكرها  وهي "السلطة".


و تتنوع أساليب الاحتكار في النظم السياسية السلطوية والتي تريد أن تمسك بكل خيوط اللعبة السياسية في قبضتها فالوسائل والأشكال متعددة و الهدف  واحد ، وأتصور أن مصر لازالت تعيش هذا الاحتكار ولم تخرج منه وإن أخذت صور التعددية الحزبية كما يحدث في الدول الديمقراطية  وهذا أمر تاريخي ويستمر  في الحاضر بأشكال مختلفة .


وإذا كان لدى البعض تصور أن التجربة الليبرالية لمصر والتي بدأت في أعقاب تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢ وحصلت مصر على استقلالها الاسمي..  وأعدت دستورا مهما في تاريخها وهو دستور ١٩٢٣ أنها بالفعل كانت تجربة ديمقراطية فهذا وهم زيفه لنا التاريخ  لأن السلطوية منذ الوهلة الأولى عبثت بالتجربة وأفرغتها من محتواها أولا : سلطة الاحتلال التي التفت على المطالب الوطنية في الاستقلال ، وثانيا : سلطة القصر و أوتوقراطية الملك فؤاد الذي أراد أن يكون ديكتاتورا ويمسك بزمام السلطة ، و أراد أن يكون خليفة للمسلمين ، وثالثا: مصالح كبار الملاك واحتفاظهم بمكانتهم التي جعلتهم يقفون ايضا أمام تجربة الديمقراطية أو يطوعونها لمصالحهم والحفاظ على ثروتهم .. كل هذه العوامل أفرغت التجربة من مضمونها وأبقت العناوين فقط   . 


فشهدت التجربة السياسية والحزبية في مصر منذ ١٩٢٢ وحتى يوليو ١٩٥٢ ممارسات لاحتكار السياسة  والسلطوية جاءت من خلال الاحزاب الموالية للقصر وتزوير الانتخابات والعصف بالحكومات وتغييرهم مثل الجوارب وحل البرلمان والعصف بالدستور وتعطيله وتغييره وإعلان الأحكام العرفية والتضييق على الصحافة وحرية التعبير والميل للعنف من قبل عدد من الأحزاب وبالأخص جماعة الإخوان والتي رفعت سلاح الاغتيالات ، فكلها كانت مظاهر وأحداث تحول دون تحقيق الديمقراطية والوصول لليبرالية الحقيقية . 


وبعد ١٩٥٢ والتي أخذت قرارات فوقية بإلغاء الأحزاب السياسية والارتكاز على فكرة التنظيم الواحد يمثل ظهيرا سياسيا. واجتماعيا كان الاحتكار عبر تنظيم واحد فقط والتنظيم كله في قبضة السلطة ولا فكاك من هذا التنظيم وغير مسموح بأي تنظيمات أخرى سواء كانت قديمة أو جديدة فلا يوجد تنظيم واحد لا تستطيع إلا بواسطته أن تنخرط في العمل السياسي ومن ثم فكانت مصر تسير على قضبان واحد وفي طريق واحد لا يوجد حتى فيه اتجاه آخر يمثل الذهاب في حالة العودة أو العودة في حالة الذهاب وأي تحرك عكس الاتجاه يعرضك للخطر الشديد .


ولم تكن مظاهرات ١٩٦٨ سوى جرس إنذار  لعبد الناصر أن فكرة التنظيم الواحد لم تنجح في أهدافها وأن شرارة المظاهرات كانت بين صفوف العمال وامتدت للطلبة ولم يكن أمام عبد الناصر سوى إصدار بيان ٣٠ مارس يسكن به ألم المطالب بل يقفز على فكرة الديمقراطية التي لا تدعم استمرار الأشخاص في مناصبهم حتى و لو كانوا زعماء . 


وتاهت مصر في أمواج الحرب والسياسة إلى أن جاء فجرا جديدا عقب إنتصار أكتوبر ليعيد الأمل في جسد أمة أصابتها الهزيمة أرادت أن تتعافى ، إلا أن السادات أراد مثل قدوته ناصر أن يحتكر السياسة ولكن بأسلوب المراوغة وليس بأسلوب البطش وأن تكون "للديمقراطية أنيابا أشد من الديكتاتورية" مثلما ردد فصنع الحزب الحاكم وترأسه واحتكر الحزب السياسة ، وقام بتعديل دستور ١٩٧١ ليستمر مدى الحياة في الحكم ولم يمهله القدر في أن يستفيد بالتعديل واستفاد تلميذه المتواضع حسني مبارك . 


لم تكن سنوات مبارك سوى ترجمة لاحتكار السياسة على جماعة المصالح المتمحورة في الحزب "الوطني الديمقراطي" الذي احتكر السياسة والمقاعد وكل شئ ، جماعات المصالح و نخب المصالح هي من احتكرت السياسة فتبخر الحزب في أحداث ٢٥ يناير ولم يكن له وجود يذكر أمام ما حدث وسقط نظام مبارك . 


وفي ٣٠ يونيو سقطت محاولات جماعة الإخوان الاحتكارية للسياسة ولكل شئ من خلال حزبها "الحرية والعدالة" فهي الأخرى أرادت أن تمارس احتكاراً  للسياسة وارادت الحكم مدى الحياة " ثيوقراطيا "بأدبيات الملكية التي لا تنتهي بإنتهاء الحياة والموت فقط بل تستمر بالتوارث ، وليس  برغبات وإرادات الشعوب .. فسقطت جماعة لا تؤمن بالديمقراطية ولا بتداول السلطة ثم أصبحت تصرخ لضياع السلطة من يديها متشدقة بقميص الديمقراطية التي ترتديه من اجل مصالحها وتردد عباراته من أجل مصالحها وفي حال وصولها للهدف تمزق هذا القميص لترتدي جلبابها الحقيقي وعمامة الخلافة المزعومة . 


ثم عدنا إلى النقطة صفر من جديد نبحث عن الديمقراطية وعدم احتكار السياسة بين السلطة الحاكمة وطبقات المصالح ولم  تكن حيلة فصل منصب رئيس الدولة عن رئاسة الحزب السياسي سوى حيلة سياسية لا أكثر ولا أقل لكن ظل النظام يحتاج للأحزاب كظهير سياسي يجمع فيه النخب المنتقاة ويستطيع أن يحركها كيفما  يشاء ويستخدمها كما يشاء يشكل بها المجالس النيابية الشكلية وتصيغ التشريعات كما تشاء ، ونصنع المعارضة على أعيننا وبأيدينا ننقشها على جدار المعبد لا يملكون سوى التسبيح لرب هذا المعبد ولا يستطيعون أن يخرجوا عن النص المقدس الموحي لهم . 


ومن ثم فإن كل التجارب التي تولد في صورة أحزاب جديدة ما هي إلا إنعكاس لرغبات الاحتكار وتوزيع تورتة السياسة وإرضاء من تم طردهم من الجنة السابقة لجنة جديدة يكون لهم فيها ادوارا ويلتفوا حول السلطة ويكونوا خير معين للنظام من أجل الاستمرار ، و ليس من أجل الديمقراطية ، بالإضافة إلى أنه لا داعي لعقد مقارنات مشوهة ، وأن الهدف من إنشاء حزب جديد و صناعة حزبين كبيرين على غرار أمريكا لأنه كلام يعكس سطحية شديد وجهل بأدبيات المقارنة . 


ويبقى الشعب الكادح وسط هذا الاحتكار خارج المعادلة بلا صوت ويتم الاستعانة ببعض فئاته من خلال الإشارة له  بالمال ليقف في طابور الانتخابات أو لتأسيس حزب أو استفتاء ليكون عبدا لمن أفقروه يمنحهم صوته وهتافه ويحصل على كرتونة البركة . 


بهذا ظلت سلطوية النظم تحتكر السياسة وإن تعدد أسماء الاحزاب المصنوعة بهندسة السلطة وليس بتطور طبيعي لمجتمع يحدث فيه تفاعلات بل يتوقف دور الأحزاب عند كونها مجرد كرتونة هي الأخرة  ، إن احتكار السلطة صنع فراغا سياسيا كبيرا و إن ازدحم المشهد بالكثير إلا أنهم وقت الأزمة لن تجدهم بل يتبخروا كما علمتنا دروس التاريخ أن كل الاحزاب المعلبة تنتهي صلاحيتها وتسقط بكل سهولة . 


إن القوائم الانتخابية لا تصنع الساسة بل تصنع موظفين السياسة بأجر ليس لهم علاقة بالشارع ولا الجمهور ولا يمثلون معاناته ومطالبه وأن تظاهروا بذلك لانهم في النهاية لابد ان يحافظوا على علاقتهم بمحتكري الساسية و ألا سيغلق كل أبواب الرزق من السياسة ، ويظل شبح الإخوان  يترقب وينظر من نفق أكثر من نصفه مُعتم محاولا أن ينتهز الفرصة التي يستطيع فيها الإنقضاض في فراغ الاحتكار السياسي وجماعات المصالح والمتخذين السياسة حرفة للتكسب وليس كون السياسة عمل عام من أجل النهوض بوطن .. إن الديمقراطية الحقيقية هي السبيل الوحيد للقضاء على شبح الإخوان الذي يريد الإنقضاض على الديمقراطية بل على الوطن ذاته .. الديمقراطية الحقيقية هي التي تصنع قوة لا تستطيع اي جماعة الوقوف امامها في الانتخابات أو في اي عراك سياسي لكن مع الأسف التيارات الليبرالية لا يشغلها سوى الخلافات الضيقة التي ترمي في صالح الجماعة وليس في صالحهم  .