في خطوة تعكس الازدواجية الصارخة للمعايير الأمريكية، أعلن رئيس مجلس النواب الأمريكي أن المجلس سيصوّت هذا الأسبوع على تشريع لفرض عقوبات ضد مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية. تأتي هذه الخطوة في أعقاب إصدار المحكمة قرارات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت وغيرهم، متهمةً إياهم بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين.
حرب ضد العدالة الدولية
الإدارة الأمريكية، التي تدّعي دائمًا أنها حامية لحقوق الإنسان والمدافعة الأولى عن العدالة العالمية، قررت فجأة إعلان الحرب على أهم مؤسسة دولية تهدف إلى محاسبة مجرمي الحرب ومنتهكي القوانين الإنسانية. الخطوة الأمريكية تكشف عن ازدواجية خطيرة، حيث تدافع واشنطن عن مصالح إسرائيل بكل السبل، حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ الأساسية للعدالة الدولية.
دلالات التصويت المحتمل
قرار التصويت لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية يحمل العديد من الدلالات الخطيرة:
1. إفلات إسرائيل من العقاب: القرار يهدف بشكل واضح إلى حماية قادة إسرائيل من المحاسبة على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك قتل المدنيين وهدم المنازل والاستيطان.
2. تسييس العدالة الدولية: يعكس التصويت رغبة أمريكية في تدمير مصداقية المحكمة الجنائية الدولية، وتحويلها إلى مؤسسة خاضعة للضغوط السياسية.
3. تثبيت هيمنة واشنطن: القرار يظهر رغبة أمريكية في فرض الهيمنة على المنظومة الدولية ومنع أي جهة من تحدي مصالحها أو مصالح حلفائها.
ازدواجية المعايير الأمريكية
الخطوة الأمريكية تعيد إلى الأذهان سجلًا طويلًا من ازدواجية المعايير في السياسة الخارجية:
تدعم واشنطن المحكمة الجنائية الدولية فقط عندما يتعلق الأمر بمحاكمة قادة دول معادية مثل السودان أو يوغوسلافيا السابقة، لكنها تقف ضدها بكل قوة عندما يتعلق الأمر بحلفائها.
تغض الطرف عن الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، بينما تفرض عقوبات صارمة على دول أخرى تتهمها بارتكاب انتهاكات أقل بكثير.
حماية نتنياهو بأي ثمن
قرارات المحكمة الجنائية الدولية الأخيرة، التي شملت إصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت، وضعت الإدارة الأمريكية في مأزق كبير. يبدو أن واشنطن مستعدة لاستخدام كل أدواتها السياسية والاقتصادية لحماية هؤلاء القادة الإسرائيليين من المحاسبة، حتى لو كان ذلك يعني تدمير نظام العدالة الدولية بالكامل.
التداعيات المحتملة
فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية لن يمر دون تبعات خطيرة:
1. تقويض العدالة الدولية: هذه الخطوة ستشجع المزيد من القادة على ارتكاب الجرائم، لأنهم سيشعرون بأنهم محميون من المحاسبة الدولية.
2. تفاقم الانقسامات العالمية: القرار قد يؤدي إلى مزيد من العزلة للولايات المتحدة، خاصة مع تصاعد الغضب الدولي من استخدام واشنطن لنفوذها لحماية الجرائم الإسرائيلية.
3. تأجيج الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي: الخطوة الأمريكية تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لمواصلة انتهاكاتها بحق الفلسطينيين دون أي خوف من المحاسبة.
رسالة واضحة من واشنطن
تصويت الكونغرس الأمريكي على معاقبة المحكمة الجنائية الدولية يرسل رسالة واضحة للعالم:
"العدالة تُطبق فقط على من تختاره أمريكا".
"إسرائيل دولة فوق القانون الدولي، ومحمية دائمًا من أي محاسبة مهما ارتكبت من جرائم".
من أجل عيون إسرائيل
مرة أخرى تثبت الولايات المتحدة أنها مستعدة لتدمير أي مؤسسة دولية إذا تعارضت مع مصالح حلفائها. المحكمة الجنائية الدولية، التي وُجدت لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، أصبحت الآن في مرمى النيران الأمريكية فقط لأنها قررت محاسبة إسرائيل. السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى ستستمر هذه الازدواجية؟ وهل يمكن للنظام الدولي أن يستعيد مصداقيته في ظل هذا العبث الأمريكي؟