في تطور جديد يعكس ديناميكيات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، كشف مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية في تصريحات خاصة لصحيفة الشرق بلومبرج عن اعتزام الولايات المتحدة صرف 460 مليون دولار من المعونة العسكرية لمصر، رغم خصم 95 مليون دولار من هذه الحصة لصالح الجيش اللبناني. هذا القرار، الذي نقلت تفاصيله وكالة رويترز، يُظهر ملامح استراتيجية أميركية تسعى لإحداث توازن بين دعم الحلفاء التقليديين ومعالجة الأزمات الناشئة.
لبنان: دعم الجيش في مواجهة حزب الله
وفقًا لوثيقة أصدرتها وزارة الخارجية الأميركية وأطلعت عليها رويترز، فقد تم تخصيص 95 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأميركية لدعم القوات المسلحة اللبنانية، التي وصفتها الوثيقة بأنها "شريك رئيسي" في تنفيذ وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل. ويهدف هذا الدعم إلى تمكين الجيش اللبناني من الانتشار في جنوب البلاد، تطبيقًا للاتفاق الذي أُبرم في 27 نوفمبر 2024 بوساطة أميركية.
هذا الاتفاق، الذي يُعد خطوة مدروسة بعناية نحو تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 الصادر عام 2006، يلزم حزب الله بالانسحاب شمال نهر الليطاني، مع تعزيز سيطرة الجيش اللبناني على الحدود الجنوبية. وتعتبر واشنطن أن هذه الخطوات أساسية للحد من الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار، وتقليص نفوذ حزب الله في لبنان والمنطقة علي حد وصف مسئول الخارجية الأمريكية.
مصر: الحليف الاستراتيجي رغم خفض المساعدات
رغم خصم 95 مليون دولار لصالح لبنان، أكد المسؤول الأميركي لـالشرق بلومبرج أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بتعزيز علاقتها مع مصر كحليف استراتيجي. وأوضح أن صرف 460 مليون دولار من المعونة العسكرية يأتي لدعم القدرات الدفاعية المصرية، خاصة في مواجهة تهديدات الصواريخ الباليستية الإيرانية ووكلائها.
وأضاف المسؤول أن الدعم الأميركي لمصر يعزز من الشراكة بين البلدين في تحقيق الاستقرار الإقليمي، مشيدًا بدور القاهرة في التوسط لاتفاقات وقف إطلاق النار في غزة وتأمين الإفراج عن رهائن. كما أشار إلى أن هذا الدعم يتماشى مع التوجه الأميركي لدعم حلفائها التقليديين في مواجهة التحديات الإقليمية.
خصم المساعدات: قراءة في الاستراتيجية الأميركية
قرار خصم جزء من المساعدات المخصصة لمصر لصالح لبنان يطرح تساؤلات حول أولويات واشنطن. فمصر تُعتبر منذ عقود أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتحصل على مساعدات عسكرية سنوية تُقدر بـ1.3 مليار دولار. ومع ذلك، يبدو أن التطورات الأخيرة في لبنان دفعت واشنطن لإعادة ترتيب أولوياتها.
بحسب ما نقلته رويترز، فإن تخصيص هذه الأموال للبنان يرتبط بدعم اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الذي يعتبر تحقيقه خطوة أساسية نحو تقليل التوترات الإقليمية. ومن الواضح أن واشنطن تسعى لتعزيز دور الجيش اللبناني كبديل لحزب الله، وهو ما يتطلب دعمًا عسكريًا وتقنيًا مستمرًا.
هل يؤثر الخصم على العلاقة الأميركية-المصرية؟
رغم تقليص حصة مصر، لا يبدو أن ذلك لن يؤثر بشكل كبير على العلاقة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن. فقد وافقت وزارة الخارجية الأميركية في ديسمبر الماضي على صفقة أسلحة لمصر بقيمة تتجاوز 5 مليارات دولار، تشمل تجديد دبابات "أبرامز" وصواريخ "هيلفاير". وتُظهر هذه الصفقة استمرار الدعم الأميركي لمصر، التي تلعب دورًا محوريًا في استقرار الشرق الأوسط.
تحليل المشهد الإقليمي: توازن معقد
يمكن تفسير التحركات الأميركية الأخيرة بأنها محاولة لموازنة مصالحها بين عدة دول في المنطقة:
في لبنان: تسعى واشنطن لتحجيم نفوذ حزب الله وتعزيز قدرات الجيش اللبناني، مما يتطلب دعمه كقوة قادرة على تنفيذ هذه المهام.
في مصر: تظل القاهرة حليفًا استراتيجيًا لا غنى عنه، نظرًا لدورها في مواجهة الإرهاب، وضمان أمن الملاحة في قناة السويس، والتوسط في النزاعات الإقليمية.