رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

مثير للجدل حيا وميتا .. هل هناك ضغوط خارجية وراء عودة تمثال ديلسبس لمدخل قناة السويس ؟

المصير

الإثنين, 6 يناير, 2025

09:14 ص

تمثال ديلسبس


اندلعت معركة جديدة في مصر بين المثقفين والسلطة التنفيذية، ممثلة في محافظ بورسعيد، على خلفية قراره بإعادة تمثال فرديناند ديليسبس إلى مدخل قناة السويس.


 هذا القرار أثار ضجة وجدلا واسعًا في الأوساط الثقافية والإعلامية، حيث اعتبره العديد من الكتاب والمثقفين محاولة لتجميل وجه أحد رموز الاستعمار الفرنسي، المسؤول عن مآسٍ تاريخية ارتبطت بحفر القناة واحتلال مصر.

إهانة لدماء الشهداء 

القرار الذي أعلن عنه محافظ بورسعيد قوبل بردود فعل غاضبة من المثقفين المصريين، أبرزهم الكاتبة الكبيرة سكينة فؤاد التي وصفت الخطوة بأنها "إهانة لدماء الشهداء الذين قضوا في حفر القناة تحت سخرة ديليسبس". في السياق ذاته، عقدت نقابة الصحفيين ندوة حاشدة يوم أمس، شارك فيها أكاديميون وخبراء تاريخ، من بينهم الدكتور علي الحفناوي والدكتورة آمال السيد عسران، حيث أجمعوا على رفض القرار باعتباره محاولة مشبوهة لمحو ذاكرة النضال الوطني.

رمزية تمثال ديليسبس

يُعتبر تمثال ديليسبس رمزا للاستعمار الفرنسي الذي استغل مصر في منتصف القرن التاسع عشر. فمن هو ديليسبس؟ ولد فرديناند ديليسبس عام 1805 وتوفي عام 1894. اشتهر بكونه صاحب فكرة حفر قناة السويس، لكنه ارتبط بجرائم إنسانية، أبرزها استخدام السخرة في حفر القناة، مما أدى إلى وفاة أكثر من 120 ألف عامل مصري تحت ظروف قاسية وغير إنسانية. ورغم إنجازه الهندسي الكبير، انتهت مسيرته بإدانته بتهم فساد واحتيال في مشروع قناة بنما.

موقف المثقفين المصريين

شهدت ندوة نقابة الصحفيين تصريحات حادة ضد قرار عودة التمثال. تحدث الكاتب الصحفي الكبير جلال عارف، واصفًا القرار بأنه "نكسة ثقافية"، بينما أكدت سكينة فؤاد أن "الأمم التي تحترم تاريخها لا تُمجد جلاديها". وأصدر المشاركون توصيات شديدة اللهجة تطالب بعدم إعادة التمثال، واعتبار مكانه الطبيعي متحف قناة السويس بالإسماعيلية كجزء من تاريخ مظلم يجب أن يظل للتذكير وليس للتكريم.

حملة توقيعات 

وأطلق عدد كبير من المثقفين والصحفيين عريضة توقيعات رفضًا لعودة التمثال، ضمت أسماء بارزة مثل الدكتور جمال زهران، والكاتب الصحفي عبد الله السناوي، والفنان حمدي نوار. البيان الذي وقع عليه أكثر من 40 شخصية ثقافية وصحفية أكد أن "إعادة التمثال خيانة لتاريخ النضال المصري"، مشيرًا إلى أن التمثال تم تفجيره عام 1956 بموافقة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كجزء من مقاومة الاحتلال.

ضغوط أجنبية ومخاوف أمنية

أشارت تقارير إلى دور جمعية فرنسية مشبوهة تعمل منذ السبعينيات على إعادة التمثال، مما أثار مخاوف حول تدخلات أجنبية في قضية تمس الأمن القومي المصري. واتهم البيان الصادر عن المثقفين محافظ بورسعيد بالخضوع لضغوط خارجية، مطالبين بفتح تحقيق في التواصل مع السفارة الفرنسية بشأن هذا الملف.

ديليسبس بين التاريخ والسياسة

يظل تمثال ديليسبس قضية رمزية تعكس صراعًا أعمق بين الوعي الوطني ومحاولات طمس الهوية الثقافية. إن الجدل حول عودة التمثال ليس مجرد مسألة ثقافية أو تاريخية، بل هو جزء من معركة أكبر للدفاع عن كرامة المصريين الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لحفر القناة. وكما قال أحد المشاركين في الندوة: "العبيد فقط هم من يكرمون جلاديهم".

بينما تستمر الأصوات المعارضة في الارتفاع، يبقى التساؤل مطروحًا: لماذا يصر محافظ بورسعيد على إعادة تمثال ديليسبس رغم هذا الرفض الواسع؟ وهل يُمكن لهذا القرار أن يعبر عن إرادة شعب قاوم الاستعمار وضحى بأغلى ما يملك من أجل حريته؟ إن الإجابة على هذه التساؤلات ستحدد مصير هذا الرمز المثير للجدل وتُبرز مواقف الأطراف المختلفة في معركة تتجاوز حدود التاريخ إلى عمق الهوية الوطنية.