رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

عادل الليثي يكتب :المنظومة الصحية في مصر أزمة رقابة أم أزمة ضمير؟

المصير

الأحد, 5 يناير, 2025

11:30 ص

 

شهدت مستشفيات مصر خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الفضائح الطبية التي كشفت عن أوجه قصور جسيمة في المنظومة الصحية والرقابية. تباينت تلك الأزمات بين الإهمال الطبي وتدهور معايير النظافة، وصولاً إلى انتشار عدوى قاتلة في منشآت يُفترض أن تكون آمنة. كل هذا في ظل غياب واضح للعقوبات الرادعة، مما جعل أرواح المرضى على المحك. ولعل أبرز القضايا التي تبرز حجم الكارثة هي استخدام مستشفيات لمعدات غير معقمة، إضافة إلى تجاهل البروتوكولات الطبية، مما أدى إلى انتشار أمراض معدية خطيرة مثل الجمرة الخبيثة والكليبسيلا والإيكولاي، وهي أمراض تُعد تهديدًا خطيرًا على الصحة العامة عالميًا.  

إلى جانب ذلك، تعاني قرارات إغلاق المستشفيات المخالفة من ضعف في التنفيذ، حيث يتم الالتفاف على القوانين أو استغلال ثغرات قانونية وفساد إداري لإعادة تشغيل هذه المنشآت. هذا الواقع يثير تساؤلات ملحة حول جدية الجهات الرقابية في التعامل مع هذه الأزمات، مما يهدد بحدوث انهيار وشيك للنظام الصحي بأكمله. ولنا مثال واضح فيما حدث بمركز جرين هارت الطبي بالعاشر من رمضان ومستشفى دار الإسراء بالوراق، حيث تعرّض المرضى لخطر مباشر نتيجة تقاعس الجهات الرقابية عن فرض قرارات الإغلاق بشكل صارم.  

الإهمال الطبي: الجرح المفتوح للنظام الصحي  
الإهمال الطبي في مصر أصبح ظاهرة متكررة، تظهر بشدة في حوادث مأساوية تخلّف وراءها ضحايا أبرياء. من ترك أدوات جراحية داخل أجساد المرضى إلى الفشل في تشخيص الأمراض بشكل صحيح، باتت هذه الحوادث مألوفة بشكل مقلق. إحدى الحوادث التي تركت أثرًا عميقًا في الرأي العام هي قضية الطفل "آدم"، وقضية "الدعامة المكسورة" حيث كشفت التحقيقات عن سلسلة من الأخطاء القاتلة والتقاعس في اتخاذ التدابير الوقائية لمنع العدوى وعدم الشفافية والتدليس وخيانة الأمانة مما أودى بحياة المرضي واضطر أخرين إلى إجراء عمليات جراحية خطيرة خارج مصرلإنقاذ حياتهم ما تعرضوا له .  

العدوى داخل المستشفيات: الخطر المستتر  
تُعد العدوى المكتسبة داخل المنشآت الصحية إحدى أخطر القضايا التي تهدد صحة المرضى والعاملين في المجال الطبي على حد سواء. المستشفيات التي يُفترض أن تكون بيئة آمنة للعلاج تحولت إلى بؤر لانتشار أمراض قاتلة. على سبيل المثال، انتشار الجمرة الخبيثة في منشآت طبية مصرية يمثل نموذجًا مرعبًا للإهمال الجسيم. وفقًا لتقارير دولية، تُعد هذه العدوى من الأمراض المحظورة عالميًا وتُصنّف كتهديد بيولوجي، مما يثير تساؤلات حول كفاءة النظام الصحي ومدى التزامه بالمعايير الدولية لمكافحة العدوى.  

ثغرات الرقابة: فساد وإفلات من العقاب  
النظام الرقابي الصحي في مصر يعاني من ضعف هيكلي يجعل تنفيذ القرارات الصارمة أمرًا صعب التحقيق. كثيرًا ما تُصدر الجهات المختصة قرارات إغلاق بحق مستشفيات مخالفة، لكنها تبقى حبرًا على ورق. بعض هذه المنشآت يعاود العمل بسرعة بفضل الالتفاف على القوانين، أو تقديم رشاوى للمسؤولين المعنيين. هذا الوضع لا يعكس فقط غياب الردع، بل يُظهر تواطؤًا واضحًا مع المخالفين.  

إضافة إلى ذلك، لا تتابع الإدارات القانونية في الجهات الرقابية القضايا المرفوعة ضد المستشفيات المخالفة، مما يُضعف من تأثير القرارات القضائية والإدارية ويُشجع أصحاب النفوذ على استغلال هذا التهاون لصالحهم.  

الأثر المجتمعي: انهيار الثقة والاقتصاد معًا  
في ظل هذه الأزمات المتراكمة، فقد المواطنون الثقة في النظام الصحي. العديد من الأسر المصرية باتت تفضل البحث عن العلاج في الخارج رغم تكاليفه الباهظة، خوفًا من التعرض لإهمال طبي قاتل في المستشفيات المحلية. هذا النزيف المستمر للثقة لا يقتصر على الجانب الإنساني، بل يمتد ليُثقل كاهل الاقتصاد الوطني، مع تصاعد الإنفاق على العلاج بالخارج على حساب موارد الدولة.  

الحلول والتوصيات: خارطة طريق نحو الإصلاح  
١. إنشاء هيئة رقابية مستقلة: لضمان نزاهة الرقابة بعيدًا عن أي تأثير سياسي أو إداري.  
٢. تغليظ العقوبات القانونية: لردع المخالفين عبر فرض غرامات مالية ضخمة والسجن الفوري في حالات الإهمال الطبي الجسيم.  
٣. إصلاح المنظومة القانونية: لسد الثغرات التي يستغلها الفاسدون، مع ضمان متابعة تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية.  
٤. تحسين كفاءة العاملين بالمجال الصحي: عبر دورات تدريبية إلزامية في مكافحة العدوى ومعايير الجودة الطبية.  
٥. إطلاق حملات توعية: لطمأنة المواطنين بشأن الإصلاحات وإعادة بناء جسور الثقة بين المرضى والنظام الصحي.  

هذه  دعوة للتحرك العاجل  
النظام الصحي في مصر يواجه تحديات وجودية تستدعي تحركًا حاسمًا وعاجلًا. من الإهمال الطبي إلى فساد الرقابة، الأزمات الحالية لا تضر فقط بصحة المواطنين، بل تهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. الإصلاح الجذري ليس خيارًا، بل ضرورة ملحّة، لأن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى انهيار الثقة بالنظام الصحي بالكامل، وهو عبء لن تتحمله الدولة على المدى الطويل.