في قلب المحاولات المستمرة للدولة المصرية للقضاء على الفساد وتعزيز الشفافية، يظل القطاع الصحي الخاص استثناءً صارخًا. تتفاقم فيه مظاهر الفساد والمحسوبية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لحياة المواطنين، ويفتح الباب أمام سلسلة من الفضائح التي تستدعي التدخل العاجل.
2024: عام الفضائح الصحية
شهد العام 2024 تفاقم الأزمات داخل القطاع الصحي الخاص في مصر. قرارات الإغلاق للمستشفيات والعيادات المخالفة أصبحت شبه يومية، غالبًا بسبب تراخيص غير قانونية.
لكن يبقى السؤال: كيف يمكن لهذه الكيانات الطبية أن تحصل على تراخيص منذ البداية؟
الجواب يكمن في بيئة مشبعة بالرشاوى والمحسوبية، حيث تصبح حياة المواطن المصري، الذي يثق بهذه المنشآت، في مهب الريح. فمن أخطاء طبية كارثية إلى تكاليف باهظة دون مقابل حقيقي، يتحول القطاع إلى فخ يدفع ثمنه المواطن البسيط.
تجاهل قرارات الإغلاق
رغم صدور قرارات رسمية بإغلاق العديد من المنشآت المخالفة، تستمر هذه الكيانات في العمل بشكل علني دون خوف من العقوبات. أصحاب هذه المنشآت يستخدمون نفوذهم وأساليبهم للتحايل على القانون، مما يطرح تساؤلات حول فعالية الرقابة الحكومية.
قرارات الإغلاق غالبًا ما تأتي نتيجة مخالفات جسيمة، مثل التراخيص المزورة أو نقص معايير السلامة. ومع ذلك، تستمر هذه المنشآت في استقبال المرضى، مما يكشف عن ضعف الرقابة والتطبيق الفعلي للقوانين.
غياب المحاسبة وضعف الرقابة
عند وقوع تجاوزات أو إهمال طبي، يجد المواطن نفسه عالقًا في منظومة تفتقر للعدالة. الشكاوى المقدمة للقضاء قد تستغرق سنوات، ونقابة الأطباء غالبًا ما تنحاز لأعضائها، مما يجعل المحاسبة شبه مستحيلة.
أما إدارات العلاج الحر والشؤون الصحية، المفترض أن تكون العين الرقابية، فهي نفسها متورطة في منح التراخيص المخالفة. هذا يخلق حلقة مفرغة من الفساد الذي يجعل الضحايا بلا حيلة، بينما تتكرر الأخطاء دون رادع حقيقي.
التعويض عن الأضرار: حق مهدر
عندما يثبت أن منشأة طبية مخالفة قد تسببت في ضرر للمواطن، يجب على وزارة الصحة تعويض الضحايا بالكامل. يشمل هذا التعويض التكاليف التي تكبدها المواطن والأضرار الصحية التي تعرض لها. لكن في ظل الوضع الحالي، يبدو أن الحصول على هذا الحق أقرب إلى المستحيل.
إصلاح الطب الشرعي: ضمان العدالة
لا يمكن تحقيق العدالة في قضايا الإهمال الطبي دون مؤسسة طب شرعي مستقلة ومحايدة. التأثيرات الخارجية والانحيازات قد تعيق سير التحقيقات، مما يستدعي تطهير هذه المؤسسة من أي تدخلات وضمان نزاهتها التامة.
تراخيص بلا رقابة.. لغز الفساد
السؤال الذي يتكرر دائمًا هو: كيف تمكنت هذه المنشآت الطبية من الحصول على تراخيصها؟ التحقيق في هذه العملية أمر ضروري، لتحديد المسؤولين عن السماح بإنشاء كيانات طبية غير قانونية.
العلاج الحر، المفترض أن يكون الجهة الرقابية الأولى، يفتقد للدور الاستباقي. بدلاً من التدخل قبل وقوع المخالفات، يكتفي بالتعامل معها بعد فوات الأوان.
إصلاحات جذرية لإنقاذ القطاع
إنقاذ القطاع الصحي الخاص يتطلب إصلاحات شاملة تبدأ بإعادة هيكلة وزارة الصحة وتعزيز الرقابة على التراخيص، مع تطبيق قانون المسؤولية الطبية بحزم. يجب على الدولة أن تضمن العدالة للضحايا، وتحاسب المسؤولين عن الفساد، وتضع المواطن في صدارة أولوياتها.
القطاع الصحي الخاص في مصر ليس مجرد قضية فساد، بل هو أزمة تمس حق الإنسان في الحياة. إن التصدي لهذه الأزمة يتطلب إرادة سياسية قوية وإصلاحات جذرية لإنقاذ أرواح المواطنين.