حين وصف الهاربين بالخونة، لم يكن يدرك أن اسمه سيتصدر القائمة يومًا. بشار الأسد، الرجل الذي حكم سوريا بالحديد والنار لعقود، غادر بلاده كالفأر المذعور، تاركًا خلفه جيشًا محطمًا ووطنًا منهارًا. هذا ما كشفت عنه صحيفة "لوبس" الفرنسية في تقرير جديد ومفصل، يسرد تسلسل الأحداث التي أدت إلى هروب الأسد إلى موسكو.
"الخائن الأكبر".. كلمات الأسد تطارده
قبل سنوات، صرح بشار الأسد في أحد خطاباته واصفًا الذين يهربون من أوطانهم بـ"الخونة". لكن في ديسمبر المشؤوم من عام 2024، كان الأسد نفسه يجسد هذا الوصف حين قرر الهروب من دمشق، متخليًا عن سوريا، وجيشها، وشعبها. هذا القرار الكارثي ترك سوريا مكشوفة أمام إسرائيل التي استغلت الوضع لتنفيذ أكثر من 500 غارة جوية، دمرت خلالها كل سلاح استراتيجي للجيش السوري.
جيش بلا قدرة وسوريا بلا حماية
بعد هروب الأسد، تكبد الجيش السوري خسائر غير مسبوقة، حيث أصبح عمليًا بلا قدرات دفاعية، بينما تُركت البلاد في حالة من الفوضى العسكرية والسياسية. ووفقًا لتقديرات خبراء، تحتاج سوريا إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة بناء جيشها، وأكثر من 10 سنوات لاستعادة الحد الأدنى من جاهزيته.
هذا الانهيار جعل سوريا هدفًا سهلًا للإسرائيليين الذين نفذوا عمليات عسكرية متكررة دون أي رد فعل، ليكون الأسد بذلك مسؤولًا عن أكبر كارثة عسكرية في تاريخ سوريا الحديث.
تسلسل هروب الأسد.. لحظات الهزيمة
الخميس 28 نوفمبر
في الوقت الذي شنت فيه الجماعات المسلحة هجومًا واسع النطاق على مدينة حلب، كان الأسد في موسكو برفقة زوجته أسماء، التي كانت تتلقى العلاج من السرطان. وبالرغم من تصاعد التوتر في سوريا، لم يظهر الأسد أي نية للعودة السريعة، وترك البلاد في حالة من الشلل القيادي.
الإثنين 2 ديسمبر
استقبل الأسد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، حيث بدا مستاءً بشكل واضح. خلال اللقاء، اعترف الأسد بأن جيشه أصبح أضعف من أن يخوض أي مواجهة فعالة. في تلك اللحظة، أدرك الأسد أن مصيره قد حُسم، وأن الهروب هو خياره الوحيد.
السبت 7 ديسمبر
عقد الأسد اجتماعًا سريًا في وزارة الدفاع مع 30 قائدًا عسكريًا، حيث حاول طمأنتهم بأن الدعم العسكري من موسكو قادم. لكنه لم يبلغ أحدًا بخطة هروبه، حتى شقيقه الأصغر ماهر الأسد، الذي اضطر لاحقًا للفرار بطائرة هليكوبتر إلى العراق ومنها إلى روسيا.
الأحد 8 ديسمبر
في هذا اليوم الحاسم، غادر الأسد دمشق سرًا، متوجهًا إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية في اللاذقية، ومنها إلى موسكو. كانت عائلته قد سبقته إلى العاصمة الروسية، حيث انتظروه هناك، تاركًا خلفه سوريا في حالة من الفوضى العارمة.
نظام الأسد.. من "الحديد والنار" إلى الهروب المذل
منذ عام 2000 وحتى يوم هروبه، حكم بشار الأسد سوريا بقبضة من حديد، متسببًا في انهيار النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. لكن المشهد الأخير كان الأكثر إهانة. الرجل الذي بنى "إرثه" على القوة والقمع، غادر سوريا خائفًا على حياته، متجاهلًا مصير شعبه ووطنه.
الصحيفة الفرنسية تكشف المزيد
وفقًا لصحيفة "لوبس"، فإن قرار الأسد بالهروب لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة سلسلة من الإخفاقات العسكرية والسياسية. كما أوضحت الصحيفة أن الأسد خدع أقرب المقربين منه، بمن فيهم قادة عسكريون ومستشارون سياسيون.
أحد هؤلاء، بثينة شعبان، التي طلب منها الأسد كتابة خطاب سياسي مساء السبت 7 ديسمبر، قبل أن يختفي تمامًا في الساعات الأولى من يوم الأحد. وبينما كان مدير الإعلام في الرئاسة يتحدث عن "خطاب قريب للرئيس"، كان الأسد يركب الطائرة باتجاه موسكو.
النهاية المهينة
هروب الأسد يعيد للأذهان مصائر الحكام الذين قادوا بلادهم إلى الهاوية قبل أن يهربوا بأنفسهم، تاركين شعوبهم تدفع ثمن أخطائهم. الأسد، الذي وصف الهاربين يومًا بالخونة، أثبت أنه "الخائن الأكبر"، تاركًا سوريا بلا جيش، بلا اقتصاد، وبلا أمل.
هذه هي القصة التي ترويها "لوبس"، وهذه هي الحقيقة التي ستبقى وصمة في تاريخ الرجل الذي كان يُلقب بـ"جزار دمشق".