تحليل إخباري يكتبه :محمد أبوزيد
في سياق العلاقات الإقليمية المتشابكة والمصالح المتداخلة، تظهر علاقة خفية ومعلنة بين الفصائل المسلحة في سوريا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، علاقة تحمل في طياتها الكثير من الغموض والأسئلة حول طبيعة هذه الروابط وأهدافها.
العلاقة الخفية والمعلنة
برزت في السنوات الأخيرة أدلة عديدة على وجود روابط مشبوهة بين إسرائيل وجماعات مسلحة مثل جبهة تحرير الشام وتنظيم داعش. من أبرز الشواهد، تلقي جرحى من داعش العلاج في المستشفيات الإسرائيلية خلال الحرب السورية، وهو أمر أكده أكثر من مصدر إعلامي غربي وإسرائيلي.
وعلى الرغم من شعارات هذه الفصائل الدينية، وادعائها القتال تحت راية "الله أكبر"، فإن مواقفها إزاء الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين تكشف ازدواجية واضحة. فلم تصدر هذه الفصائل أي بيانات تستنكر الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، والتي تعد من أكبر الجرائم في التاريخ الحديث.
الاختراق الإسرائيلي للفصائل المسلحة
تُظهر تصريحات الباحث الإسرائيلي موتي كيدار، الذي أكد أن قادة المعارضة السورية يعتبرون إسرائيل "الحل وليس المشكلة"، أن إسرائيل تمكنت من اختراق هذه الفصائل عبر قنوات سياسية وأمنية. التصريح الأخطر لكيدار يتمثل في قوله إن قادة المعارضة السورية يخططون لفتح سفارات إسرائيلية في دمشق وبيروت بعد إسقاط نظام الأسد، وهو مؤشر على مدى النفوذ الإسرائيلي في توجيه أجندة هذه الفصائل.
كما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تتابع التطورات في سوريا عن كثب وتتحرك لحماية مصالحها، مما يشير إلى وجود تنسيق غير مباشر يهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة، أبرزها إضعاف إيران وحزب الله.
توظيف الطائفية لزعزعة الاستقرار
مع استعادة حزب الله لحضوره الشعبي في العالم العربي بسبب دعمه للمقاومة الفلسطينية خلال حرب غزة الأخيرة، عادت الفصائل السورية المسلحة لتبث خطابات طائفية وقحة، موجهة ضد الشيعة.
عودة هذه الخطابات تهدد بإعادة إشعال فتيل الصراع السني الشيعي، الذي هدأ نسبيًا بفضل وحدة الصف التي حققها "طوفان الأقصى". هذه النعرات الطائفية قد تخدم أجندة إسرائيلية تهدف إلى تفكيك العلاقة بين حزب الله وحماس، وتعطيل أي تحالف عربي إسلامي قد يهدد الكيان الصهيوني.
إسرائيل وحرب الطوائف
من الواضح أن التحريض الطائفي الذي تقوده الفصائل المسلحة يخدم أهداف إسرائيل الاستراتيجية. إشعال حرب طائفية جديدة سيضعف حزب الله الذي يعتبر الخصم الإقليمي الأقوى لإسرائيل. كما أن انشغال المجتمعات الإسلامية بالصراعات الداخلية يضعف قدرتها على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، مما يعزز الموقف الإسرائيلي في المنطقة.
قراءة استراتيجية
ما يجري على الساحة السورية اليوم ليس مجرد صراع داخلي بين الفصائل والنظام، بل هو ساحة مفتوحة لتدخلات دولية وإقليمية، حيث تسعى إسرائيل إلى الاستفادة القصوى من تفكك المعارضة السورية واستثمار تناقضاتها الطائفية.
التصريحات الإسرائيلية الأخيرة والتطورات على الأرض تشير إلى أن العلاقة بين إسرائيل وهذه الفصائل لم تعد مجرد تكهنات، بل هي واقع يتكشف تدريجيًا، يحمل في طياته مخاطر جسيمة على استقرار المنطقة ومستقبل المقاومة.
في خضم هذه المشهدية المعقدة، يصبح من الضروري على القوى الوطنية والإسلامية أن تعي خطورة هذه العلاقات المشبوهة، وأن تعمل على إفشال مخططات التفتيت الطائفي التي تسعى إسرائيل لزرعها. فالتاريخ أثبت أن إسرائيل لا توفر جهدًا لاستغلال الانقسامات الداخلية لضمان بقائها القوة المهيمنة في المنطقة.