كشف مؤشر "بيج ماك" الصادر عن صحيفة إيكونوميست البريطانية أن الجنيه المصري مقوم بأقل من قيمته الحقيقية أمام الدولار بنسبة 53.6%، ما يعني أن سعر الصرف العادل بين الجنيه والدولار يجب أن يكون 23.32 جنيهًا لكل دولار، مقارنة بالسعر الرسمي الحالي البالغ 50.25 جنيهًا. هذه النتائج تثير تساؤلات حول مدى دقة التقييمات الرسمية للعملات مقارنة بالقيمة الفعلية لها بناءً على القوة الشرائية.
ما هو مؤشر بيج ماك؟
يعد مؤشر بيج ماك أحد أشهر الأدوات غير الرسمية المستخدمة لقياس القوة الشرائية للعملات حول العالم، حيث يعتمد على مقارنة سعر شطيرة "بيج ماك" من ماكدونالدز في مختلف البلدان لتحديد ما إذا كانت العملات مقوّمة بأقل أو أكثر من قيمتها الحقيقية أمام الدولار الأمريكي.
تم إطلاق المؤشر لأول مرة عام 1986 من قبل صحيفة إيكونوميست كمقياس ساخر ولكنه أصبح معتمدًا على نطاق واسع من قبل الاقتصاديين، بل وحتى بعض البنوك المركزية، لقياس الاختلالات المحتملة في تقييم العملات.
يعتمد المؤشر على فكرة "تعادل القوة الشرائية" (PPP)، التي تفترض أن سعر المنتج نفسه يجب أن يكون متساويًا في جميع أنحاء العالم، وإذا كان هناك اختلاف كبير في الأسعار عند تحويلها إلى الدولار، فهذا يشير إلى أن العملة إما مقومة بأقل أو أكثر من قيمتها الحقيقية.
كيف قيّم المؤشر الجنيه المصري؟
بحسب النسخة الأحدث من المؤشر (يناير 2025)، فإن سعر شطيرة بيج ماك في مصر بلغ 135 جنيهًا مصريًا، بينما يبلغ سعرها في الولايات المتحدة 5.79 دولارًا أمريكيًا. وبناءً على هذا، يكون سعر الصرف العادل هو 23.32 جنيهًا لكل دولار، مقارنة بالسعر الرسمي في السوق البالغ 50.25 جنيهًا، مما يعني أن الجنيه المصري مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بأكثر من 53%.
هذا التقييم يضع مصر ضمن قائمة الدول التي تعاني من انخفاض كبير في قيمة عملتها مقارنة بالقوة الشرائية المحلية، وهو ما يعكس التأثيرات السلبية لعدة عوامل، منها التضخم، وضعف التدفقات الدولارية، والسياسات النقدية.
هل مؤشر بيج ماك عالمي ومعتمد؟
رغم شعبيته، فإن مؤشر بيج ماك ليس مقياسًا رسميًا تعتمده المؤسسات المالية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي أو البنوك المركزية. ومع ذلك، فإنه يقدم نظرة مبسطة ومباشرة حول مدى عدالة تقييم العملات، ما يجعله أداة تحليلية مهمة يستخدمها المستثمرون والاقتصاديون لفهم اتجاهات الأسواق المالية.
لكن هناك بعض الانتقادات للمؤشر، منها:
عدم احتساب الفروقات في تكاليف الإنتاج: فتكلفة تشغيل ماكدونالدز تختلف بين الدول بسبب الضرائب، والرواتب، وتكاليف العقارات.
عدم شمولية السلع والخدمات الأخرى: حيث يقتصر على منتج واحد، ما قد لا يعكس الوضع الاقتصادي بالكامل.
تأثير السياسات النقدية والمالية: بعض الدول مثل الصين والسعودية تربط عملتها بالدولار الأمريكي، ما يجعل المؤشر أقل دقة في هذه الحالات.
ماذا عن تقييم العملات العربية؟
أظهرت نسخة يناير 2025 من المؤشر أن معظم العملات العربية مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية أمام الدولار، مما يعكس قوة الدولار عالميًا مقارنة بالعملات الأخرى. ومن أبرز النتائج:
الدرهم الإماراتي مقوم بأقل من 15.4% من قيمته الحقيقية.
الريال السعودي مقوم بأقل من 12.5%.
الدينار الكويتي مقوم بأقل من 21.5%.
الدينار البحريني مقوم بأقل من 22.1%.
الريال القطري مقوم بأقل من 28.8%.
الدينار الأردني مقوم بأقل من 39.1%.
وفي المقابل، كان الدرهم الإماراتي مقومًا بأكثر من قيمته الحقيقية أمام اليوان الصيني بنسبة 39.3%، وأمام الين الياباني بنسبة 57.6%، مما يعكس تباين قيمة العملات وفقًا للأسواق المختلفة.
ما تأثير هذه النتائج على الاقتصاد المصري؟
رغم أن مؤشر بيج ماك ليس معيارًا رسميًا، إلا أن نتائجه تعكس تحديات حقيقية تواجه الاقتصاد المصري، أبرزها:
1. ضعف الجنيه المصري أمام الدولار، مما يزيد من تكلفة الاستيراد ويؤدي إلى تضخم أسعار السلع والخدمات.
2. فقدان الثقة في العملة المحلية، ما يدفع المواطنين والمستثمرين للجوء إلى الدولار كملاذ آمن.
3. تحديات السياسة النقدية، حيث تعاني الحكومة من صعوبة تحقيق استقرار الجنيه دون زيادة الاحتياطيات الأجنبية أو تعزيز الإنتاج المحلي.
خلاصة
يقدم مؤشر بيج ماك نظرة مثيرة للاهتمام حول تقييم العملات، حيث أظهر أن الجنيه المصري مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة 53.6%، ما يشير إلى أن سعر الصرف العادل للدولار يجب أن يكون 23 جنيهًا مصريًا بدلًا من 50.25 جنيهًا حاليًا. وبينما يعكس المؤشر واقعًا اقتصاديًا مزعجًا، إلا أن الحلول تتطلب إجراءات اقتصادية جذرية لتعزيز قيمة الجنيه وتحقيق استقرار العملة.