أُعلن بالأمس عن التوصل إلى اتفاق تهدئة تاريخي بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ومن المقرر الكشف عن تفاصيله اليوم. جاء هذا الاتفاق بعد واحدة من أطول وأعنف الحروب في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، والتي استمرت منذ "طوفان الأقصى"، متسببة في دمار هائل في قطاع غزة، وتهجير أكثر من مليون ونصف فلسطيني من منازلهم. ومع تثبيت وقف إطلاق النار، تطرح مسألة إعادة إعمار غزة نفسها بقوة: من يتحمل تكاليف الإعمار؟ ومن سيستفيد اقتصاديًا وسياسيًا من هذه العملية؟
بنود الاتفاق التاريخي
تشير المصادر إلى أن الاتفاق يتضمن:
1. وقف إطلاق النار المتبادل بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
2. الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين من ذوي الأحكام العالية والنساء والأطفال، في مقابل إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة.
3. فتح المعابر بشكل كامل لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية ومستلزمات إعادة الإعمار.
4. وقف شامل للعمليات العسكرية بما يشمل الغارات الجوية والاقتحامات البرية.
هذا الاتفاق يأتي بعد تصعيد عسكري غير مسبوق أدى إلى تدمير واسع النطاق في البنية التحتية لقطاع غزة، مما يجعل إعادة الإعمار أولوية قصوى للسكان وللمجتمع الدولي.
حجم الدمار: أرقام كارثية
تُعد هذه الحرب الأكثر تدميرًا في تاريخ الصراع، حيث أفادت التقارير الدولية بالأرقام التالية:
تهجير أكثر من 1.5 مليون فلسطيني من منازلهم، ما يعادل أكثر من نصف سكان القطاع.
تدمير ثلثي البنية السكنية للقطاع، بما في ذلك آلاف الأبراج السكنية والعمارات والمنازل.
أكثر من 60 ألف وحدة سكنية تضررت، منها ما يزيد عن 20 ألف منزل دُمر بالكامل.
إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء والطرق.
تكلفة إعادة الإعمار
قدرت الأمم المتحدة والبنك الدولي تكلفة إعادة إعمار غزة بما يتراوح بين 5 إلى 8 مليارات دولار، مع الإشارة إلى أن الرقم قد يرتفع بالنظر إلى شدة الدمار
تشمل هذه التكلفة:
1. إعادة بناء المنازل المدمرة بالكامل.
2. إصلاح البنية التحتية من شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي.
3. إعادة تأهيل المؤسسات التعليمية والصحية المتضررة.
4. توفير مساكن مؤقتة للمهجرين إلى حين انتهاء أعمال البناء.
من يدفع فاتورة الإعمار؟
تُثار تساؤلات حول الأطراف التي ستتحمل تكلفة إعادة الإعمار، وهناك عدة جهات مرشحة للعب دور رئيسي في هذا الملف:
1. قطر:
تُعد قطر من أكبر المساهمين في إعادة إعمار غزة في السنوات الماضية، حيث قدمت مئات الملايين من الدولارات لإعادة بناء البنية التحتية وتوفير المساعدات الإنسانية. ويتوقع أن تكون قطر من أوائل الدول التي ستعلن عن مساهمتها.
2. تركيا:
أظهرت تركيا اهتمامًا دائمًا بالقضية الفلسطينية، ومن المتوقع أن تقدم دعمًا كبيرًا لإعادة الإعمار، سواء عبر المساعدات المالية أو إرسال فرق فنية ومهندسين للمساعدة في عمليات البناء.
3. السعودية ودول الخليج:
تُعتبر دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، من اللاعبين الرئيسيين المتوقعين في إعادة الإعمار، خاصة في ظل رغبتها في تعزيز دورها الإقليمي وتأكيد دعمها للقضية الفلسطينية.
4. الاتحاد الأوروبي:
يُعد الاتحاد الأوروبي من الجهات الدولية الكبرى التي تساهم في تقديم الدعم المالي لإعادة إعمار غزة، ومن المتوقع أن يلعب دورًا رئيسيًا في هذا السياق.
5. الولايات المتحدة:
على الرغم من انحيازها التقليدي لإسرائيل، قد تقدم الولايات المتحدة مساعدات مالية ضمن جهود إعادة الإعمار كجزء من التهدئة، في إطار السعي إلى تحقيق استقرار نسبي في المنطقة.
6. إيران:
نظرًا لدعمها الكبير للمقاومة الفلسطينية، قد تقدم إيران مساعدات فنية ومالية لإعادة إعمار القطاع، خاصة لتعزيز مكانتها الإقليمية.
مصر: الرابح الاقتصادي الأكبر؟
تُعد مصر من أكثر الدول استفادة من ملف إعادة الإعمار، حيث يُتوقع أن تكون معبرًا رئيسيًا لإدخال مواد البناء والمساعدات. يأتي ذلك من خلال:
1. تنشيط معبر رفح: سيكون المعبر نقطة العبور الأساسية لإدخال مستلزمات البناء والمساعدات، مما يعزز العلاقات التجارية بين مصر وقطاع غزة.
2. فرص عمل للمصريين: ستفتح إعادة الإعمار الباب أمام الشركات المصرية للمشاركة في المشاريع، ما يسهم في خلق فرص عمل للعمال والمهندسين المصريين.
3. إنعاش الاقتصاد المصري: ستُشكل زيادة التبادل التجاري مع غزة دفعة قوية للاقتصاد المصري، خاصة في ظل الطلب الكبير على مواد البناء مثل الأسمنت والحديد.
التحديات التي تواجه إعادة الإعمار
1. إغلاق المعابر: قد تتعثر عمليات إعادة الإعمار في حال أعادت إسرائيل فرض قيود على دخول المواد إلى القطاع.
2. ضمانات التمويل: قد يتباطأ تنفيذ المشاريع في حال عدم توفير التمويل اللازم من الجهات الدولية.
3. تكرار العدوان: يظل خطر اندلاع جولة جديدة من الصراع قائمًا، ما قد يؤدي إلى تعطيل الجهود وإهدار الموارد.
تشكل إعادة إعمار غزة اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية. وبينما تتجه الأنظار نحو الدول المانحة والمساهمين، يبرز دور مصر كلاعب رئيسي في تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار. يبقى السؤال: هل ستلتزم الأطراف كافة بتعهداتها أم أن السياسة ستعرقل جهود إعادة البناء؟