كتب :محمد أبوزيد
تبدو تحركات تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان في الصومال كخطوة جديدة في لعبة كبرى تعيد تشكيل موازين القوى في منطقة القرن الإفريقي. فقد كشفت شبكة بلومبرغ أن تركيا حصلت مؤخرًا على موافقة الحكومة الصومالية لبناء قاعدة لإطلاق الصواريخ على الأراضي الصومالية، وهي خطوة تحمل أبعادًا تتجاوز المصالح الاستراتيجية المباشرة لأنقرة، لتشكل تحديًا صريحًا للدور المصري المتنامي في الصومال.
الصومال.. ساحة صراع النفوذ الإقليمي
لم تكن الصومال على مدار السنوات الماضية مجرد دولة مضطربة تعاني من الأزمات الداخلية، بل أصبحت نقطة التقاء لقوى إقليمية ودولية تسعى لفرض نفوذها، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر والمحيط الهندي.
مصر، التي تعاظم دورها في الصومال مؤخرًا، وقّعت اتفاقيات عسكرية وأرسلت قوات لحماية الحكومة الشرعية في مقديشو، مستهدفة بذلك كبح جماح إثيوبيا، التي حاولت إيجاد منفذ بحري من خلال دعم جمهورية صوماليلاند المتمردة وغير المعترف بها دوليًا.
التحركات التركية.. مناكفة واضحة لمصر
تحركات تركيا الأخيرة، بدءًا من بناء قاعدة إطلاق الصواريخ إلى محاولة التوسط بين إثيوبيا والصومال، تشير إلى نوايا أنقرة لتعزيز وجودها في الصومال، وهي منطقة بعيدة تمامًا عن مجالها الحيوي التقليدي.
يرى مراقبون أن هذا التوسع التركي يأتي كمحاولة مباشرة لمناكفة الدور المصري، الذي كانت له خطوات واضحة في دعم الحكومة الصومالية ضد التدخلات الإثيوبية. الاتفاق التركي-الصومالي يعزز النفوذ التركي في المنطقة، ويضعف في الوقت ذاته الدور المصري الذي كان يسعى لتوظيف الصومال كأداة ضغط على إثيوبيا بعد تصاعد التوترات بسبب سد النهضة.
التقارب الإثيوبي-التركي: ورقة ضغط جديدة
إحدى أبرز أوراق أردوغان في هذا الصراع كانت المصالحة التي توسطت فيها تركيا بين إثيوبيا والصومال. هذا التقارب بين أديس أبابا ومقديشو، بوساطة تركية، يعزز مكانة أنقرة كقوة إقليمية قادرة على حل النزاعات، لكنه في الوقت ذاته يضعف النفوذ المصري الذي كان يعتمد على توتير العلاقة بين البلدين لضمان ولاء الصومال ضد إثيوبيا.
مصر كانت تأمل أن يكون دعمها للحكومة الصومالية بمثابة رسالة قوية لإثيوبيا، مفادها أن تجاوز الخطوط الحمراء في ملف سد النهضة سيواجه بردود فعل تتجاوز حدود حوض النيل. لكن الوساطة التركية بددت جزءًا كبيرًا من هذا التأثير المصري، وفتحت الباب أمام إثيوبيا لإعادة ترتيب أوراقها الإقليمية.
القاهرة واسطنبول.. تنافس متعدد الجبهات
التنافس بين القاهرة وأنقرة في الصومال يعكس صورة أكبر لصراع النفوذ بين البلدين في المنطقة. مصر، التي تحاول تعزيز وجودها الإقليمي والدولي في مواجهة التدخلات الإثيوبية، وجدت نفسها في مواجهة قوة إقليمية جديدة تستثمر في الفوضى وتسعى لتوسيع نفوذها في مناطق غير تقليدية.
تركيا، من جانبها، تستفيد من علاقتها الوثيقة مع الصومال، والتي تعود إلى سنوات طويلة من الدعم الاقتصادي والعسكري. القاعدة التركية في مقديشو هي أحد أبرز مظاهر هذا الدعم، وهي الآن تتوسع إلى مستوى جديد مع بناء قاعدة إطلاق الصواريخ، ما يعني تعزيز الحضور العسكري التركي في منطقة حساسة واستراتيجية.
الدروس المستفادة لمصر
التحركات التركية في الصومال تشير إلى أن مصر بحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجيتها في المنطقة. المنافسة على النفوذ في الصومال لم تعد مجرد صراع بين القاهرة وأديس أبابا، بل دخلت فيها أطراف جديدة قد تزيد من تعقيد المشهد.
على مصر أن تتحرك بسرعة لتعزيز وجودها في الصومال بطرق أكثر فاعلية، سواء من خلال تعميق التعاون الاقتصادي مع مقديشو أو تعزيز التحالفات الإقليمية مع دول القرن الإفريقي الأخرى.
في الوقت ذاته، يجب أن تدرك القاهرة أن النفوذ التركي في الصومال هو جزء من استراتيجية أوسع لأنقرة لتوسيع نطاق تأثيرها الإقليمي، ما يتطلب مواجهة دبلوماسية وإعلامية فعالة لكبح جماح هذا التمدد.
الصراع مستمر
الصومال اليوم ليس مجرد ساحة للصراع الداخلي، بل أصبح مرآة لصراعات إقليمية ودولية بين قوى كبرى تسعى لترسيخ نفوذها. التحركات التركية والمصرية في المنطقة تعكس عمق التنافس بين الطرفين، وتؤكد أن معركة النفوذ في القرن الإفريقي ستظل مستمرة، مع احتمالات متزايدة لتدخل أطراف جديدة تزيد من تعقيد المشهد.