تحليل سياسي يكتبه :محمد أبوزيد
قبل 20 يوما أو أقل قليلا كان مئات الآلاف من ضباط وجنود وقيادات الجيش السوري منتشرين في جميع الأماكن الخاضعة لسيطرة النظام.
ومع بداية سقوط المدن الكبرى في يد الفصائل المسلحة بداية من حلب ونهاية بدمشق مع عدم وجود أي مقاومة تذكر من قبل الجيش ، بدأ الجميع يتسائل ماذا الذي يجري ؟
وقبل يومين سقط النظام كله وهرب بشار الأسد إلى روسيا طالبا اللجوء السياسي هو وأسرته وقياداته العسكرية والأمنية، وكل هؤلاء أعدادهم لا تتجاوز ال200 شخص على أقصى تقدير.
استيقظ الجميع على سوريا ولأول مرة في التاريخ دولة بلا جيش، بلا قيادات عسكرية، بلا رتب بلا جنود بلا ضباط.
وبدأ الجميع يسأل :أين ذهب الجيش السوري، أين اختفى عشرات الآلاف من الجنود والاف الضباط، أين ذهبت الدبابات وعددها بالآلاف، أين المدفعية وباقي الأسلحة الثقيلة، كل هذه الأسئلة الثقيلة لا تجد إجابات حقيقية حتى الآن، فإذا أضفَنا إليها أسئلة أخرى يزداد الغموض غموضا والغرابة استغرابا، فلماذا لم تتصد الفصائل المسلحة والمعارضة المسلحة التي أسقطت النظام السوري في أسبوع لأخطر وأكبر هجوم جوي قام به جيش الاحتلال الإسرائيلي علي مدار اليومين الماضيين داخل العمق السوري وفي كل أنحاء دمشق، وقام من خلاله بتدمير كل مقدرات الجيش السوري من طائرات ودبابات وبرنامج أسلحة كيماوية وأسلحة ثقيلة وسفن حربية ، لدرجة أن المتحدث باسم الجيش الصهويني قال أنه لم يبق من سلاح الجيش السوري سوي البنادق لكي تستولي عليها المعارضة، فكيف صمتت المعارضة ولم تتصد بطلقة رصاص واحدة لهذا الهجوم ، وكيف أنها حتى لم تصدر بيانا واحدا ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي ولم تنطق بكلمة واحدة ضدها، رغم أن إسرائيل زعمت أن الهجوم الجوي الأكبر في تاريخها الذي شمل300 غارة جوية هدفه منع سقوط أسلحة الجيش السوري في يد المعارضة .هل هناك اتفاقيات وتفاهمات سرية تم بمقتضاها هذا الأمر "إسرائيل لن تتعرض لكم مقابل تدمير كل أسلحة وقدرات الجيش السوري"
انهيار شامل
مع سقوط نظام بشار الأسد على يد المعارضة المسلحة، شهد الجيش السوري انهيارًا شاملًا وغير مسبوق.
وترك الجيش السوري البلاد مكشوفة أمام أضخم هجوم جوي إسرائيلي في تاريخ الدولة العبرية.
عدد القوات وترتيب الجيش السوري في المنطقة
قبل انهيار النظام، كان الجيش العربي السوري من أقوى الجيوش في المنطقة رغم كل ما جري خلال ال12 سنة السابقة وتحديدا منذ بداية الثورة السورية.
احتل الجيش السوري المرتبة 47 عالميًا وفقًا لمؤشر Global Firepower لعام 2010.
بلغ تعداد الجيش نحو 300,000 جندي وضابط، مع قوة احتياطية تصل إلى 400,000.
َوامتلك الجيش السوري نحو 4,000 دبابة من طرازات مثل T-55 وT-72.
القوات الجوية تضمنت أكثر من 500 طائرة حربية من نوعي ميغ وسوخوي.
أنظمة الدفاع الجوي شملت منظومات متطورة مثل S-200 وPantsir-S1.
هروب القادة وتفكك البنية العسكرية
مع تقدم المعارضة المسلحة، تفكك الجيش على كافة المستويات، وفرّ قادة الفرق العسكرية وعلي رأسهم ماهر الأسد شقيق بشار الأسد وقائد الفرقة الرابعة إلى روسيا، بينما لجأ آخرون إلى إيران والعراق كما تشير بعض التوقعات.
ومن أبرز رجالات الأسد الأمنيين الذين لم تعرف الوجهة التي فروا إليها، علي مملوك، الذي كان يشغل منصب مستشار الرئيس لشؤون الأمن الوطني لبشار الأسد،
وبالإضافة إلى هذين الاسمين يبرز اسم علي محمود عباس وزير الدفاع، وعبد الكريم محمود إبراهيم رئيس هيئة الأركان العامة، وكفاح ملحم رئيس مكتب الأمن الوطني.
ويضاف إلى الأسماء أيضا قحطان خليل رئيس شعبة المخابرات العسكرية، ومنذر سعد إبراهيم رئيس هيئة العمليات، وسهيل نديم عباس مدير إدارة العمليات في جيش الأسد.
وكان من المفترض، كما كان معروفا منذ سنوات في سوريا أن تكون مهمة حماية القصر الجمهوري في دمشق موكلة لقوات "الحرس الجمهوري" و"الفرقة الرابعة" و"القوات الخاصة".
لكن، ومنذ لحظة الإعلان عن إسقاط النظام السوري، لم ير السوريون ولم تلتقط وسائل الإعلام العربية والمحلية أي وجود للوحدات الثلاث المذكورة
اختفاء الجنود
ترك الآلاف من الجنود مواقعهم دون مقاومة،وخلعوا الزي العسكري، وارتدوا ملابس مدنية، وانضم بعضهم إلى المعارضة أو اختفوا مع عائلتهم، بعد أن ضاقت بهم الحياة ذرعا وفقرا وتدنت مرتباتهم ل17 دولار في الشهر، وبعد أن فقدوا أي شغف ورغبة في الدفاع عن النظام.
أين اختفت الأسلحة الثقيلة؟
اختفاء الأسلحة الثقيلة أثار العشرات من علامات الاستفهام، دون الوصول إلى إجابة شافية ووافية، ويتوقع البعض عدة سيناريوهات للجهات التي آل إليها سلاح الجيش السوري ومنها.
1. روسيا: يُعتقد أن القواعد الروسية في سوريا استحوذت على كميات كبيرة من الأسلحة لضمان عدم وقوعها في أيدي المعارضة، وقد تكون قد صدرت أوامر لقادة الجيش في الساعات الأخيرة بتسليم الأسلحة الثقيلة والدبابات للقواعد العسكرية الروسية،وتمتلك روسيا عدد من القواعد العسكرية في سوريا من بينها قواعد في طرطوس واللاذقية، ولعبت دورًا رئيسيًا في دعم نظام بشار لأكثر من 10 سنوات.
قاعدة طرطوس: محطة دعم للسفن الروسية منذ 1971، وتحوّلت إلى قاعدة عسكرية متكاملة.
قاعدة حميميم الجوية: مركز للعمليات الجوية الروسية وموقع لتخزين الأسلحة الثقيلة السورية.
2. إيران والعراق: تشير توقعات أخرى بأنه ربما يكون قد تم تهريب جزء كبير من هذه الأسلحة الثقيلة لإيران عبر العراق أو لجهات عراقية داعمة لنظام بشار الأسد ومنها الحشد الشعبي. وقد يكون كل ذلك قد حدث ليلة سقوط النظام أو قبلها بليلتين.
3.السوق السوداء، بعد سقوط نظام بشار الأسد بساعات ظهرت فيديوهات لبنادق وأسلحة رشاشة يتم بيعها علنا في الشارع في سوريا، ومن المحتمل أن يكون قد تم بيع كميات كبيرة من أسلحة الجيش السوري لتجار سلاح إقليمين ودوليين في تلك الساعات الغامضة التي سبقت وتلت سقوط النظام.
4-تركها مكشوفة عمدا لإسرائيل، وهذا هو سيناريو الخيانة الأسوأ والذي قد يكون قد تم بترتيبات وتفاهمات إقليمية ودولية وسرية، فإسرائيل التي تخترق كل دول الطوق وعلى رأسهم سوريا ولبنان لا يمكن ألا تكون قد عرفت بتفاصيل خطة هروب أو خروج بشار الأسد من سوريا هو وحاشيته وعائلته، أو على الأقل سمحت بها، أو سمحت لطائرته بالمغادرة لروسيا، ومن الوارد أن تكون قد تمت صفقة خيانة في الغرف المغلقة، السماح بالهروب مقابل ترك البلاد مكشوفة تماما أمام سلاح الجو الإسرائيلي ليعربد فيها كيفما شاء.
أكبر هجوم إسرائيلي في التاريخ
في الأيام الأخيرة، شنت إسرائيل هجومًا جويًا هو الأكبر في تاريخها على الأراضي السورية وشمل عدة مواقع منها، المطارات العسكرية، منظومات الدفاع الجوي،السفن الحربية ومخازن الأسلحة الكيميائية،.
بلغ عدد الهجمات والغارات الإسرائيلية علي مواقع الجيش السوري ودمشق والقواعد العسكرية للجيش السوري أكثر من 250 غارة خلال 48 ساعة، مما أدى إلى شلّ القدرات العسكرية المتبقية لسوريا.
أعلنت إسرائيل أن هدفها منع وصول الأسلحة الاستراتيجية إلى المعارضة المسلحة، ومع ذلك لم تنطق المعارضة ببنت شفة ولم تطلق رصاصة واحدة ولم تصدر بيانا واحدا أو تهديدا واحدا ضد إسرائيل.
العلاقة المركبة بين المعارضة وإسرائيل
هذا الأمر الغريب والمريب يفتح بابا واسعا للتساؤلات حول علاقة المعارضة السورية المسلحة بدولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث أفادت تقارير إسرائيلية وغربية متطابقة حول رغبة أجزاء من مكونات تلك المعارضة لتطبيع كامل وشامل للعلاقات بين سوريا وإسرائيل وفتح سفارة إسرائيلية في سوريا، وهناك دلائل أخري تثير الكثير من الشك والريبة حول تلك العلاقة ومن بينها.
1. الدعم اللوجستي: تشير تقارير إلى أن إسرائيل قدّمت دعمًا طبيًا ولوجستيًا لبعض فصائل المعارضة، خاصة في جنوب سوريا.
2. التفاهمات السرية: هناك حديث عن اتفاقيات غير مكتوبة تضمن عدم تصعيد المعارضة ضد إسرائيل مقابل تجنب استهدافها.
عدم قدرة المعارضة للتصدي لجيش الاحتلال
تفسير آخر يفرض نفسه حول عدم تصدي المعارضة السورية المسلحة للعبث الإسرائيلي بكل مقدرات الأمن القومي السوري خلال ال48 ساعة الماضية، وهو أن المعارضة تفتقر إلى الإمكانات لمواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي، ما دفعها للصمت التام أمام الهجوم، وهو تفسير مردود عليه بعدة أمور أقلها أن تلك المعارضة لم تصدر حتى بيان تدين فيه أخطر هجوم إسرائيلي في التاريخ والذي حول سوريا إلى فاتيكان جديدة، دولة منزوعة السلاح.
فالجيش السوري، الذي كان يومًا رمزا للسيادة الوطنية، انتهى عمليًا. وبينما تحتفل إسرائيل بنجاحها في شلّ القدرات العسكرية السورية، تقف المعارضة المسلحة عاجزة أو متواطئة.
سوريا تواجه الآن مستقبلاً غامضًا، حيث يتحكم اللاعبون الدوليون والإقليميون بمصيرها، بينما يبقى الشعب السوري أكبر الخاسرين في هذه المعادلة، وكأن الجميع القريب والبعيد، العدو والصديق، الثوار والنظام، الإسرائيلين والمعارضة الإسلامية المسلحة قد اتفقوا جميعا على خروج سوريا من التاريخ