حرب سوريا2
في خطوة أثارت تساؤلات واسعة حول مستقبل العلاقة بين موسكو ودمشق، أصدرت السفارة الروسية في دمشق بيانًا يحث المواطنين الروس الراغبين في مغادرة سوريا على استغلال الرحلات التجارية المتاحة عبر المطارات.
البيان أرجع هذه الدعوة إلى "الوضع العسكري والسياسي الصعب" الذي تشهده البلاد، مما يعكس تعقيدًا متزايدًا في المشهد السوري.
وتشهد سوريا منذ أواخر نوفمبر الماضي موجة من الهجمات التي تشنها تنظيمات مسلحة مدعومة من دول أجنبية. هذه الهجمات استخدمت أحدث التقنيات العسكرية من طائرات مسيرة ومعدات متطورة، وتمكنت من تحقيق اختراقات في مناطق حيوية مثل مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية، ومدينة حماة وبعض البلدات في ريف حمص. هذا التصعيد الميداني يضع ضغوطًا إضافية على النظام السوري وحلفائه، وعلى رأسهم روسيا.
قرار السفارة الروسية بتذكير رعاياها بإمكانية مغادرة سوريا يحمل أكثر من دلالة:
1. إقرار ضمني بتدهور الوضع الأمني: البيان يعكس حجم التحديات الأمنية التي تواجهها سوريا، بما في ذلك تهديدات مباشرة للمصالح الروسية.
2. رسالة داخلية وخارجية: ربما تهدف موسكو إلى طمأنة الرأي العام الروسي بأنها تأخذ سلامة مواطنيها في الخارج على محمل الجد، بينما توجه رسالة ضمنية للنظام السوري بضرورة معالجة الثغرات الأمنية.
3. اختبار لمرونة الحليف: يمكن أن يُفهم البيان كتحذير غير مباشر للنظام السوري بضرورة تحسين أدائه العسكري والسياسي.
هل تراجع الدعم الروسي للأسد؟
على الرغم من هذا البيان، فإن الحديث عن تخلي روسيا عن الأسد يبدو مبالغًا فيه. فموسكو استثمرت موارد ضخمة في دعم النظام السوري منذ بداية الأزمة، ونجحت في ترسيخ وجودها العسكري عبر قواعد مثل حميميم وطرطوس، مما يمنحها نفوذًا استراتيجيًا في الشرق الأوسط. لكن:
- روسيا تبحث عن مصالحها أولًا: قد تكون هذه الخطوة مؤشرًا على أن موسكو تريد إعادة تقييم دعمها وفقًا لتغير الظروف الميدانية والدولية.
- ضغوط غربية وعقوبات: تتعرض روسيا لضغوط اقتصادية ودبلوماسية متزايدة، مما قد يدفعها لتقليل انخراطها في أزمات خارجية.
السيناريوهات المحتملة
1. تعزيز التعاون مع الأسد: قد تعمد روسيا إلى تصعيد دعمها العسكري للنظام السوري لاحتواء التهديدات الأخيرة.
2. إعادة التموضع: يمكن أن تسعى موسكو إلى تقليل وجودها المباشر في سوريا والتركيز على مصالحها الاستراتيجية طويلة الأمد.
3. التفاوض مع القوى الإقليمية والدولية: قد تستغل روسيا الوضع الحالي لإعادة ترتيب الأوراق مع دول مثل تركيا وإيران، وربما الولايات المتحدة.
يبقى بيان السفارة الروسية خطوة تحمل أبعادًا متعددة، لكنه لا يعني بالضرورة تخلي بوتين عن الأسد. فالعلاقة بين الطرفين قائمة على المصالح المشتركة، لكن التحديات المتزايدة قد تدفع موسكو إلى إعادة تقييم استراتيجياتها في سوريا، بما يضمن حماية مصالحها دون الانغماس في أزمات لا طائل منها.